«زاهي» يسأل: لا أعرف من أين أبدأ، ولكن سوف أبدأ من حيث انتهت القصة أو بدأت، أنا شاب عمري 34 سنة سوري الجنسية مقيم بالمملكة العربية السعودية.
لم تسمح لي ظروفي بالزواج باكرا، ومنذ سنة تقريبا وأثناء الإجازة تمت خطبتي لإحدى الفتيات عن طريق الأهل والمعارف، وأعجبت بها وأحببتها كثيرا، وبادلتني الحب، ورسمنا طريقنا بالحياة معا، ونسجنا الكثير من الأحلام، وكنا بانتظار اليوم الموعود وهو يوم الزواج.
ولكن سوء التدبير وأحيانا حسن النية يمكن أن تكون سببًا في إيذاء الإنسان، فعندما دخلت لهذه الأسرة كان كلام الأهل: لا نريد شيئا، نحن نشتري رجلا… وعليه -وللأسف الشديد- فاتني الاتفاق على المهر مع أهل الفتاة، حيث لم يكن يخطر على بالي -لا أنا ولا أهلي- ما سيحصل لاحقا، وفي بداية الشهر الخامس من هذا العام نزلت لسوريا لقضاء إجازة اضطرارية ولإتمام إجراءات الزواج حيث إنه تمت ترقيتي بالعمل وتسلمت منصبا جيدا براتب جيد، وذلك بعد جهد كبير وعناء.
في البداية تمنع الأهل عند طلبي تسجيل الزواج وقالوا: “أنت مسافر”.. وعليه قبل الزفاف بأيام نقوم بإثبات الزواج بالمحكمة الشرعية والدوائر الحكومية، ولما أبلغتهم بأنني مضطر لعقد القران لاسيما أنني لن أستطيع القدوم إلا قبل الزفاف ولابد من إجراءات لاستقدام الزوجة في المملكة العربية السعودية وافقو، وطلبوا مني نصف كيلو ذهب مقدم ونصف كيلو ذهب مؤخر.
طبعا استغربت هذا الطلب، ولكنني أحب هذه الفتاة ولن يعكر زواجنا أي شيء، وعليه وافقت بكل حسن نية وبعد إجراء الفحوصات الطبية ذهبت إلى الأحوال المدنية لبدء إجراءات الزواج، وهنا ظهرت المشكلة حيث إن القانون السوري يرفض إثبات المهر بغير العملة السورية، ورفض الموظف إثبات الذهب وقال هذا يتم بينك وبين أهل زوجتك بورقة جانبية عن العقد، وقمت بالاتصال بأهل زوجتي وقلت لهم أرجو أن نسجل المبلغ بالعملة السورية حيث إن الأحوال المدنية رفضت تسجيل الذهب.
وهنا جن جنون والدة الفتاة وبدأت المشاكل والاتصالات من هنا وهناك، وظهرت وكأنني أكذب، وهنا كلمني أحد الإخوة حرفيا وقال أنا أعرفك منذ زمن وأنت إنسان طيب ومحترم فإذا كانوا يثقون بك فلماذا يكتبون عليك شرطا مثل هذا، وهنا بدأت أفكر والظنون تأخذني ذات اليمين وذات الشمال.
واتصلت بخطيبتي وشرحت لها الموقف بالكامل وأبلغتها وجهة نظري وقلت لها: الموضوع حساس وسخيف وأنا أخيرك الآن بيني وبين الذهب؛ فقالت حرفيا ليس لي شأن.. اسأل أهلي. وهنا تمسكت برأيي أكثر وأبلغت حماتي أنني لن أقبل بهذا الشرط أبدا ليس لأنني أرفضه، ولو أنني رافض لكنت قد رفضت من البداية، ولكن لضيق الوقت وصعوبة الإجراءات.
وبعد قليل اتصلت بي خطيبتي وصوتها مشحون وعصبية جدا وتقول لي: كيف تتراجع وأنت لست رجلا وهذا شرع الله وهذا شرطي وإذا أنت مصمم فاعتبر أن علاقتنا انتهت؛ فقلت لها مذهولا وغير مصدق: كما تريدين.
طبعا وخلال الأيام التي تلت جرت محاولات من بعض الوسطاء لحل الموضوع وحاولت أن تتصل بي رفضت بالبداية ولكن تكلمنا وأفاجأ ثانية أنها مصممة على أنني المخطئ وبدأت بعدها يوميا محاولات مستميتة منها للعودة بأي طريقة، وذلك قبل أن أعود للسعودية مشفوعة بالرجاء والدموع ولكن كنت أبلغ من قبل العديد من الأصدقاء أن أهل الفتاة قد أنهوا الموضوع ولا يقبلون أي وساطة.
وبالعامية اعتبروا أنني ظهرت على حقيقتي ولا فائدة من المحاولة وأن محاولة الفتاة لا نفع منها فأهلها متصلبون. وبعد ثلاثة شهور -وأقولها إنني لازلت أحبها- تكلمنا أنا وهي والألم يعتصرنا ولا أعرف ماذا أفعل، وأشعر من كلامها حتى ندم الأهل على الذي حصل، ولكن أنا غير واثق من الأهل، ومتأكد أن الأم سوف تفتعل العديد من المشكلات.
ولكن أنا تأخرت بالزواج والفرص أمامي أصبحت قليلة، علما بأن فارق السن بيننا 11 سنة، وبكل صراحة هذه الفتاة كانت أكثر من أحلامي من كل النواحي، وأحسست فعلا بمحبتها، ولكن الموضوع المادي يبدو أنه أهم من المشاعر في أيامنا هذه، وكلام الدين لا قيمة له عن غلاء وجنون المهور.
أرجوا المساعدة فأنا حائر في أمري ولا أعرف هل أحاول العودة أو أنسى وبصراحة لم أستطع تقبل فتاة أخرى رغم محاولات أهلي العديدة.
الإجابـة
يؤسفني أن أخبرك أن الاستنتاج الذي وصلت إليه في نهاية رسالتك هو السائد في بلادنا العربية عامة، وكأن الزواج نوع من التجارة والتجارة شطارة كما يقال.
كما أن المقدمة التي قدمت بها رسالتك صحيحة؛ بأن نوعا من سوء التدبير اشترك مع حسن النية أو السذاجة لتظهر هذه المشكلة في حياتك، فقد كان من المفترض أن يتم الاتفاق على المهر قبل أن يتغلغل حب الفتاة إلى قلبك بهذا الشكل، أي عند الخطبة، ولكن الله قدر وما شاء فعل.
طبعا يحق لولي أمر الفتاة شرعا أن يشترط المهر الذي يريده، ولكن العرف له دور في هذا الأمر أيضا، فمن المعلوم في بلدك أن قوانين البلد هي التي تحكم أعراف الناس، بمعنى أن القانون في سوريا يطلب تسجيل المهر بالعملة السورية، ولذلك اعتاد الناس أن يحددوا المهر فيما بينهم بهذه العملة وليس بالذهب.
ولذلك فإن الطلب “الذهبي” لأهل خطيبتك ليس مما يرتاح له القلب، وكأنهم وجدوا فيك فرصة مناسبة للثراء، علما بأن المهر كله مقدما ومؤخرا يعادل مليون ليرة سورية تقريبا، فإذا كان المؤخر الكبير -والمعتاد عليه في سوريا– يبرَّر بضمان حق الزوجة في حال أن الرجل لم يحافظ عليها كما يجب، فما الذي يبرر المبلغ الكبير لمقدم المهر؟!
أنا لا أريد أن أزيد مواجعك، ولا أريد أن يكون ردي حجر عثرة في طريق العودة للالتقاء مع الفتاة التي تقول إنك أحببتها وتعلقت بها، لكن يجب أن أنبهك إلى عدة أمور:
إذا كانت هذه هي الفتاة الأولى في حياتك وليست لك تجارب سابقة، رغم عمرك الذي تجاوز الثلاثين، فإن تعلقك بها قد يكون ناجما عن عدم معرفتك بغيرها، وعلى هذا فالأفضل أن تراجع نفسك لتتأكد من أنك اخترت هذه الفتاة ليس بسبب تعلقك القلبي بها فقط بل ولاقتناعك العقلي بأنها ستكون زوجتك وشريكة حياتك التي تتقاسم معك الحياة بأفراحها وأتراحها.
هل هذه الفتاة كذلك؟؟ ربما كان رد فعلها الغاضب وانتقاصها من رجولتك دليل تسرع من جهتها ندمت عليه فيما بعد، لكن أيضا ربما يكون دليلا على أنها تحاول أن تمسك زمام الأمور بيدها بحيث تكون هي المتحكمة مستغلة طيبتك واحترامك لنفسك، وكلمة (أنت لست رجلا) لا يمكن المرور عليها مر الكرام من فتاة تحب خطيبها.
والسؤال الذي يجب أن تطرحه على نفسك أنت وكل الشباب الذين يطلعون على مشكلتك: لماذا ينبغي على الشاب أن يدفع المهر ويطحن نفسه عشر سنوات بالعمل والغربة ثم لا حمدا ولا شكورا؟
ولتعذرني الفتيات -السوريات خاصة- أو أي قارئ لا يتفق معي بالرأي، فرأيي الصريح أن الفتاة تستفيد من الزواج كما يستفيد الشاب فلماذا لا تساهم الفتاة بتجهيز البيت بالمهر كما تفعل الفتاة المصرية ومنذ قديم الزمان؟
أذكر بعض الأفلام المصرية التي كان الأب فيها يتحمل نفقات تجهيز البنات كليا، وأعلم أن بعض الأسر في سوريا تسهل زواج بناتها بمساعدة العريس في الجهاز، ومن يريد أن يطيع الله سبحانه يتذكر قول الله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم).
وكلمة الأيامى تعني من لا زوجة له، لذلك فكل من يرفع من مهر ابنته أو يجد فيها فرصة للتجارة هو آثم في حق ابنته، وحق الشاب الذي يريد الزواج منها، وحق المجتمع الذي أصبحت فيه إغراءات الأبواب الخلفية المفتوحة أمام الشاب وتجعله يغض النظر عن الزواج ويستسهل زواج المتعة والمسيار وغيرهما.
الخلاصة يا أخي الكريم إذا كانت هذه الفتاة تريدك وتحاول الرجوع إليك وأنت تراها مناسبة لك، فهناك شروط يجب أن تضعها:
- أولا: أن تعترف بخطئها وتسرعها فإذا اعترفت يمكنك التسامح معها والتجاوز عن خطئها، ويكون ذلك بالاتصال بها مباشرة عن طريق بعض المعارف دون علم أهلها لتتأكد منها مباشرة إذا كان أهلها سيمانعون ارتباطكما أم لا، فإذا تأكدت منها أن الطريق سالك، فاتفق معها على أن تكون عونا لك على ذلك، لا عونا لشيطان المال عليك.
- ثانيا: لا توافق إلا على أن يكتب المهر بالعملة السورية وليكن المقدم قليلا يكفيها لتجهيز نفسها للسفر إليك، ونصف كيلو ذهب يعادل 35 ألف ريال تقريبا، فليكن المقدم نصفه بما لا يزيد عن 200 ألف ليرة سورية.
والمؤخر يمكنك رفعه أكثر بحيث لا يزيد عن 300 ألف ليرة سورية، وليعلم أهل خطيبتك أن الرجل إذا أراد ألا يكون رجلا بل بدأ بسياسة “تطفيش” زوجته فإنه يستطيع أن يحرق أعصابها لتتنازل عن كل شيء وتهرب منه.
لكن إذا كانوا يريدون الاطمئنان على ابنتهم فاقتراحي أن يكون جزء من المهر غير مقبوض وهو بمثابة دين على الزوج وهو مضمون أكثر من المؤخر، لكن لا تقبل أن يكون كبيرا، وأقترح أن يكون المهر المقدم عندها 100 ألف سوري، والمؤخر مثله 100، وغير المقبوض 200 ألف ليرة سورية، وإذا أحببت الزيادة فلا تزد المبلغ كله عن نصف مليون ليرة سورية، فهكذا برأيي تكون قد أكرمتها ورفعتها أمام أهلها.
أما الشرط الأهم من كل ذلك فهو عدم تدخل أي أحد من أهلها بحياتكما بعد الزواج، وإذا كانوا يظنون أن السعودية ما زالت تدر ذهبا على المقيمين فليعلموا أنهم مخطئون لأن فرص العمل الجيدة أصبحت نادرة بعد زيادة نسبة البطالة بين السعوديين أنفسهم.
وهنا دورك أن تثبت شخصيتك أيضا، بألا تتنازل عن هذا الشرط أبدا، لأنك أنت من يقدم المال ويهيئ بيت الزوجية، وليس مفروضا عليك أن تُغني أهلها من أكبرهم إلى أصغرهم!
انتبه جيدا وكن على حذر، واعلم أني أكتب وأنا أشعر بما قاله صديقك لك بأنك طيب ومحترم، ولذلك أرجو أن تتمثل بقول عمر رضي الله عنه: لست خبّاً ولا الخبّ يخدعني، وقوله: ما وجدت أذهب لعقول الرجال من الطمع.
إذن ضع النقاط على الحروف مع الفتاة، فإذا كانت عاقلة وتحبك فإنها لن تدع أهلها يحرمونها من الزواج من رجل طيب ومقتدر ومحترم مثلك، ولن تدعهم يخربون عليها حياتها معك بطلباتهم الحالية أو الهدايا المستقبلية، وأنا أقول هذه الكلمة لأني أعرف أحوال بعض الناس في سوريا وغيرها من البلاد العربية، فهم يظنون أن المغترب يستلقي وتأتيه النقود هاطلة من السماء، وما يدري أحد بأوجاع المغتربين!
أسأل الله أن يجعل غربتك هجرة في سبيله، ففي الغربة من الحسنات ما لا يقل عن سيئاتها، واختر الزوجة الصالحة التي تعينك عليها، واستخر الله في ذلك، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ شاب يواجه صعوبة في خطوبة فتاة بسبب مطالب عائلتها
- ↵ صراع بين حب قديم وخطوبة جديدة: هل اتخذت الفتاة القرار الصائب؟
- ↵ هل يُمكن للصبر أن يُثمر عن زواجٍ ناجح؟
⇐ أجابتها: ليلي أحمد الأحدب