عندما تريد أن تشاهد برنامجا لا تزيد مدة عرضه على التلفاز عن نصف ساعة يجب عليك على الأقل أن تبقى متسمرا طوال ثلاث ساعات، مجبرا على مشاهدة نفس الإعلانات التي تعرض طوال الوقت دون أن يكون المضمون ممتعا، وحتى لو كان ممتعا فإن التكرار صفة لازمة تفسد ما تكرر عرضه، ولاسيما أن المنتجات أصبحت فاسدة أصلا حين فقدت مصداقيتها بتلك المبالغات والردود بين المنافسين في نفس المنتج بمبالغات لا تقل سذاجة عنها، حتى تحول الفاصل الإعلاني لمسلسل من الحلقات التي ربما لن تقدر على فهمها ما لم تشاهد دعاية المنتج المنافس، وأصبحت الإعلانات حرب أطفال صغار بات كل منتج يقول «إنه أحسن واحد بالعالم»!
فكرة الإعلان تجاوزت الغرض الأساسي الذي وجد من أجله، وهو التعريف بالمنتج وطريقة الحصول عليه، ليضاف إليها فكرة الجذب والتي بالغ في فهمها المسوقون حتى تجاوزت حدود المعقول، وتحولت بفعل التنافس إلى أسلوب الخداع. فساد لدى الناس اعتقاد مشترك بأن خلقوا فكرة مضادة في أذهانهم كمستهلكين فتعارفوا على عدم تصديق أي إعلان تجاري، وتحذير الآخرين كي لا تنطلي عليهم هذه اللعبة، ومع مرور الوقت تطورت فكرة المضاد حتى أدرجها البعض من ضمن نظرية المؤامرة في مفهومها الشامل.
وفي ساحة أخرى لم تطلها يد الشركات بعد دخل التلفاز نفسه في منافسة شديدة على صعيد شخصي «كونها أقل احتكارا وأكثر حرية» فأصبح جهاز الحاسب والذي منحه الإنترنت وما يوفره من قنوات قائمة على أساس الاختيار وسيلة جذب لأكثر الشباب اليوم، خاصة تلك الفئة التي لا تحب أن يقيد حركتها شاشة واحدة أو نافذة واحدة تمثل لها قناة تحتكر كل شيء!
فبات جيل اليوم وبمجرد أن يفتح متصفح الإنترنت يكون بقدرته أن يجوب العالم بأسره، ممارسا حقه في الاختيار الحقيقي، متجاوزا الفواصل الإعلانية التي تحاول خداعه وإهدار الكثير من وقته، فضلا عن جلوسه خلف الشاشة متلقيا ليصبح بذلك شخصا فاعلا ومشاركا عن طريق ممارسة كافة الأدوات التفاعلية فحولته في الوقت نفسه: «لمشاهد، وقارئ وكاتب».
بقلم: سعود البشر
هنا أيضًا نجِد: حوار بين التلفاز والكتاب في مناظرة مثيرة
وهنا تجد إجابة على سؤال: ما هو تأثير التلفاز على الأطفال