حين نقول فضائل شهر رمضان، فإننا نعني بها ما يعود به هذا الشهر علينا من النعم، والخير، والبركة، والرزق، ونجيب عن سؤال: لماذا فضل الله شهر رمضان على غيره من الشهور؟ نفصل البركة التي تحل على الأمة في هذا الشهر، ونعطي للشهر الكريم مكانته بين الشهور، تلك المكانة التي وهبها الله لهذا الشهر، ننبه إليها الناس، حتى يعلموا ما أعد الله لهم في هذا الشهر، ويكتنزوه، فيحل عليهم بالبركة، والرزق في رمضان، وفي غيره من الشهور، وفي الآخرة، ودائمًا تكون الآخرة خير وأبقى.
فضائل شهر رمضان
في هذا المقال، نفرد الحديث عن بعض من فضائل هذا الشهر علينا، ونفسر البهجة التي تعود على المسلمين، ومظاهرها في الشوارع والبيوت، حتى يعلم القارئ ما يتميز به هذا الشهر المبارك على غيره من الشهور، ولا يتوانى في الاستعداد لنيل كل تلك الفضائل، واكتنازها في محصلة أعماله، فالعمل الصالح في هذا الشهر ثوابه عظيم، وخيره كثير، ويضمن الجنة لصاحبه “إن شاء الله.
إن أول مزية يتمتع بها شهر رمضان الكريم، أنه الشهور الذي تنزل فيه القرآن، الذي هدى الناس إلى الطريق القويم، ووحد الأمة من الشتات، والعصبية والجهل، إلى أمة قوية، متكاتفة، غرست الأسس القويمة في أرض الحضارة الإسلامية بواسطة القرآن الكريم المنزل من عند الله “تعالى” على رسوله “صلى الله عليه وسلم”.
كان العرب في الجاهلية يتصفون بالعصبية الشديدة، والكثير من الاعتقادات المتخلفة، والآلهة التي صنعوها من أنفسهم، فشكلت كل قبيلة إلاهها على هواها، ثم جاء الإنسان، بنزول أول آية من القرآن على الرسول “صلى الله عليه وسلم” ومحى بكلماته كل تلك الأمور، من التخلف والعصبية، ودعى إلى عبادة الله لا شريك له، وهنا كانت نقطة فاصلة في حياة العرب، فالقرآن أعطاهم القوة، وتسلح به المسلمون في وجه أعداء الله. وما قلته نقطة واحدة في بحر فضائل القرآن الكريم.
لذلك فإن أول مزية في شهر رمضان كان نزول القرآن الكريم، في ليلة القدر، ونحن نقر بهذا الفضل، فبالقرآن نعرف معنى أن نكون مسلمين، أن نكون موحدين، غير مشتتين النفس والعقيدة، فنتقرب إلى الله بتلاوة القرآن الكريم، متدبرين معناه، ومنبهرين بكلماته التي نزلها الله على الرسول “صلى الله عليه وسلم”، الكلمات التي تحدى بها المشركين والكفار أن يأتوا بمثله أو بشيء قليل منه.
عليك بقراءة: رمضان شهر العروض الخاصة
وهنا نقول أن التمسك بقراءة القرآن الكريم في شهر رمضان، متدبرين معناه، خاشعين لله الخالق هذا الإبداع العظيم، واجب لا مفر منه، فرمضان دون رائحة القرآن العطرة في البيوت والمساجد لا يعد رمضانًا. إنه شهر تلاوة القرآن الكريم؛ فخططوا لتلاوته في اليوم جزءًا حتى تكون لكم ختمة واحدة على الأقل في هذا الشهر الكريم، فتنالوا به الثواب العظيم، وتتعلموا من تدبيره الخلق القويم، وتنال عقولكم المعرفة التي لا يضاهيها معرفة، وتهدأ قلوبكم بالذكر الحكيم.
فضيلة أخرى يتمتع بها هذا الشهر الكريم، فيها من الحكمة العظيمة، والغاية الكبرى التي يجب أن ينشغل بها المسلم في الشهر الكريم، ولا ينشغل بسواها. وهي أن الله يفتح أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، ويغلق أبواب النار، فلا يفتح منها باب.
وفي حكمة هذه الفضيلة أقول: أن المسلم قد يشوب في عبادته لله، الخوف من النار، فلا تكون عبادته خالصة لمحبة الله وطاعته، بل خشية أن يدخل النار، فتراه يؤدي صلاته سريعة دون خشوع أو خضوع، ولا يهتم من باقي العبادات إلا بالقليل، ويتكاسل عن أيسر العبادات، أو ينساها، المهم عنده أنه يصلي، ويصوم، ويؤدي القليل من الأمور الأخرى، كالصدقة الجافة التي يخرجها من جيبه للفقراء دون أن تخالطها المحبة لله والخشوع له.
فالله في هذا الشهر يخبرنا أنه قد فتح أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وأغلق أبواب النار، فلم يفتح منها باب، في هذا الشهر الكريم، ليدعو العبد إليه للطاعة بمحبة، وخشوع ورضا، وأن ينظر في عبادته بقلب وجل، خاشع لفاطر السماوات والأرض، ويرى الجنة وقد فُتحت له، وإذا صام بذلك الخشوع والطاعة والحب لله “سبحانه وتعالى” فسيكون له باب مخصوص، أسماه الله الريان، يدخل منه الصائمون، وليس للمسلم من بعد هذه الغاية العظيمة من غاية تلهيه عنها.
ومزية عظيمة أخرى وهبها الله لهذا الشهر الكريم، وهي سلسلة الشياطين، أو بلفظة أخرى، تصفد الشياطين، فإذا دخل شهر رمضان، فإن الشياطين تصفد، أي لا يكون في قلب الإنسان حينئذٍ شيء من وسوسة تجره إلى المعصية، وتزينها في عينيه، بل يرى المعصية على حقيقتها. ولكن الذي يحول بين الإنسان وأعماله الصالحة حينها هي نفسه فقط، والنفس هي أشر ما قد يواجه الإنسان، وبالصبر عليها، وتقويمها والاجتهاد في حثها على الأعمال الصالحة، يتغلب الإنسان عليها، ولا يوقفه عن العمل الصالح “بمختلف أنواعه” شيء. ويخرج من شهر رمضان متحلي بالسكون، والهدوء، والثقة في النفس، لأنه استطاع أن يوقفها عن جماح رغائبها، وألا يتبع هواه.
فرض الله الصيام في شهر رمضان، فأمر المسلم أن يصوم عن الطعام والشراب، من أول الفجر إلى آخر النهار؛ والصيام لا يكون صيامًا عن الأكل والشرب فقط، بل صيامًا عن كل ما يغضب الله “سبحانه وتعالى”، عن فعل المعاصي، من الكذب، والغش، والنميمة، وغيرها من المعاصي، الصغير منها والكبير، والتحلي بالأخلاق القويمة، من غض البصر، والخشوع، والتمسك بالقرآن، والالتزام بالصلاة، والذكر الحكيم باللسان والقلب. وتلك مزية الصيام في شهر رمضان، فهو يعلمنا الصبر، ويربينا على الأخلاق الحميدة، ويمحي من قلوبنا الآثام.
واقرأ أيضًا: مفاهيم وعادات مغلوطة ارتبطت بشهر رمضان
شهر رمضان فيه تكفير ومغفرة للذنوب، لكن بشرط واحد، يتحقق بالمثابرة والاجتهاد، والعمل الصالح بنية خالصة لوجه الله “تعالى”، والنية محلها القلب، وخلاص النية، يصفي العمل من الشوائب التي قد تشوبه، كالرياء مثلًا. ذلك الشرط هو ما قاله الرسول “صلى الله عليه وسلم” (من صام شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). فما أعظم من هذه الفضيلة من غاية يسعى وراءها المؤمن ولو في حياته كلها ليس فقط في شهر رمضان، فإن مغفرة الذنوب تعني الجنة، والبعد عن أهوال وشقاء الآخرة، ناهيك عن الطمأنينة، والرزق في الدنيا، لأنه الله حين يرضى عن العبد يرزقه، ويراضيه بما فيه الخير له وما يحب، لأنه يعلم أن العبد لن يتوانى أبدًا عن إدراك حكمة الله في كل ما يصيبه، ويصبر دائمًا وفي قلبه الحمد والشكر الدائم، وعلى لسانه أيضًا.
وصيام رمضان إيمانًا واحتسابًا لا يكون سهلًا، خصوصًا على العبد الذي لم يتعود الطاعة والإقبال على الله بالأعمال الصالحة، لذلك يكون من واجب العبد الذي يريد أن يصل إلى مرحلة الإيمان في شهر رمضان، أن يصبر على الطاعة، ويعد لها قبل رمضان بأيام قليلة، ويتحلى بالأخلاق الحميدة، ويتحرى الأعمال الصالحة ويلتزم بها، حتى ينال عند الله تلك المرتبة العظيمة، ويُغفر له ما تقدم من ذنبه.
تلك هي مزايا وفضائل الشهر الكريم التي وهبها الله لعباده في هذا الشهر، وغيرها من الفضائل التي أنزلها الله على عباده، ورزقهم إياها، فاغتنموها، وأعدوا لها العدة.