رمضان الشهر الكريم والموسم العظيم على الأبواب، شهر الخير والنفحات والخيرات والبركات والرحمات، الشهر المبارك والذي يعد الصوم، الفريضة الكريمة، واحدا من أفرع شجرته المباركة والمحملة بالنور والعطاء. شهر القرآن والقيام والصدقات والتهجد والإنابة إلى الله والرحمة والمغفرة والعتق من النار.
شهر رمضان ضيف كريم، الشهر الذي سطر فيه المسلمون الأوائل انتصارات عسكرية باهرة شكلت منعطفات تاريخية في التدافع المستمر بين الحق وجنوده وبين الباطل وأتباعه.
شهر رمضان ضيف كريم
فما أن يقترب وصول رمضان حتى تعلن حالات الطوارئ في الأسواق الاستهلاكية ويندفع كثير من المسلمين إلى الأسواق يشترون بِنَهَمٍ عظيم واندفاع كبير. وتستغل الشركات هذه المناسبة “التسويقية” في زيادة مبيعاتها وأرباحها، ويستطيع المرء بسهولة بالغة أن يلمس في الإعلانات التجارية بأن رمضان في انطباع الكثيرين هو شهر أطايب الأطعمة والمقبلات والحلويات.
فرصة التخفف من الطعام ومن الشهوات وما يترتب عليها من فوائد تعبدية وصحية -خصوصا مع انتشار أمراض البدانة في مجتمعاتنا وما يرافقها من تداعيات سلبية على عافية الجسد وحيويته – والتي من المفترض أن تكون إحدى ثمرات رمضان، تنقلب إلى النقيض تماما فتزداد الأحوال السلبية الناتجة عن مخالفة الهدي النبوي في الإقلال من الطعام والتخفف من شهوات الدنيا وزينتها. كما أن هذه المبالغات غير المحمودة تؤثر على الهمَّة في التعبد في مرحلة ما بعد الإفطار من صلاة وقيام وتهجد.
الوقت والاهتمام به تقديرا واحتراما هو مقياس دقيق لحالة الأمة تقدما وتخلفا، وللأسف الشديد فإن الاستهانة بالوقت وعدم الاستفادة منه يمتد عندنا في المجمل ليشمل رمضان. ففي هذا الموسم الذي تتضاعف فيه الحسنات وتُفتّح فيه أبواب الطاعات والقربات مشرعة، نجد أن الكثير يمضي نهاره بين القيل والقال أو متابعة ما لا ينفع ولا يجدي من البرامج والفعاليات. إن تقدير شهر رمضان والتفاعل معه يعكس حالة المرء وأحواله واهتماماته. فجدير بالمسلم الحرص على ساعات رمضان المباركة ودقائقه الثمينة عبادة وذكرًا ومصاحبة لكتاب الله بما يقربه إلى مولاه وبما يخفف عنه أثقال عام من التقصير والخطايا والذنوب.
كما تتفشى في رمضان، خصوصًا في الدوائر الخدمية والتي تتعامل مع الجمهور، أعراض وأمراض الترهل والكسل وسرعة الغضب. ويتذرع البعض بالصيام ليؤجل معاملات المراجعين أو ليبرر سوء تعامله مع الخلق. مع إن كثيرا من الانتصارات الإسلامية الباهرة تاريخيا كانت في رمضان. ذلك أن الصيام وإن كان يؤدي في بعض الأحيان إلى ضعف في البدن، غير أن الارتقاء الروحي للمسلم المقبل على الله والذي يعرف كيف يستثمر هذا الموسم المبارك ويتعامل معه يؤدي بهمته إلى الارتفاع مما ينعكس عليه نشاطا وإشراقا في الحضور ونورا في الوجه وخلقا حسنا في التعاطي والتعامل مع الخلق.
ليالي رمضان المباركة
والتي تتصدرها ليلة خير من ألف شهر، ليالي القيام والتهجد والاستغفار في الأسحار، تتعرض هي الأخرى لهجمات شرسة من القنوات التلفزيونية الأرضية منها والفضائية والتي تعلن نفيرا عاما لإفساد ليالي رمضان على كثير من المسلمين بالبرامج العبثية وما يسمى بالفوازير الرمضانية والفكاهية والتي يخالف العديد منها أخلاقيات الأمة وأدبياتها.
ومع تلك القنوات وبرامجها تنتشر ظواهر اجتماعية أصبحت في عرف الكثيرين جزء لا ينفصل عن رمضان، سهرات وليال وخيم رمضانية، تهدر فيها أوقات ثمينة باللعب واللهو المباح منه وغير المباح.
وهكذا تهدر أوقات ثمينة نحن في أشد الحاجة إليها لنطهر القلوب وننقي النفوس ونسمو بالأرواح عن عالم مادي نشر في مجتمعاتنا أمراضه الفتاكة من اكتئاب وهموم وسوء خلق وسرعة في الغضب وقصور في الصبر والمصابرة.