الحمد لله حمدا كثيرا، والشكر له عز وجل شكرا جزيلا، والذكر الثناء الحسن، الحمد لله أنه خلقنا في هذه الحياة لم يحرمنا مداد رحمته من المهد حتى اللحد، بل بعد اللحد أيضا يظل مداد رحمته يتنزل علينا، وأبواب الرجاء مفتحة أمامنا، فقد شرع لنا ما شرع وأوصانا بالتزامه والوقوف على حدوده، فمن فرط أو زلت قدمه فله مخرجا بالتوبة، وله باب من أبواب الرجاء التي لا تغلق أبدا وهو الاستغفار، فإن جاوز المدى في تقصيره وبغيه فقد يكلفه من الكبد ما يغفر له به ذنوبه وينقيه من معاصيه ويغسله من خطاياه، فقد يبتلى المؤمن بالمرض أو فقد الأهل أو الضر في النفس أو المال، فإذا جاء أمر الله وانتقل الإنسان إلى الرفيق الأعلى، شملته رحمة ربه وشفع فيه ما فعل من الطاعات والصدقات، حتى إذا حان الوقوف بين يدي الله ودنا الحساب شفع فيه الحبيب المصطفى، فيخفف الله عنه أو ينقذه من النار ويدخله الجنة أو يعلى درجته ومقامه في الجنة، كل بحسب حاله وشفاعة الحبيب له.
معنى الشفاعة
الشفاعة في اللغة ما يجعل الوتر شفعا، والوتر هو الفرد أي الواحد أو الثلاثة أو غيره فبالشفاعة يصير الواحد اثنين والثلاثة أربعة وهكذا، أما معنى الشفاعة المرادة هنا فهو الوساطة من شخص عند الغير لصالح شخص أخر، ابتغاء تحقيق منفعة له أو دفع ضر عنه.
فالشفاعة تشمل كل وساطة عند الغير، وهناك شفاعة حسنة كما أن هناك شفاعة سيئة.
الشفاعة الحسنة ما يكون الغرض منها تحقيق نفع أو دفع ضر، دون إلحاق الضرر بالغير والشفاعة السيئة ما كانت في محرم أو كانت على حساب أحد، أو تسببت في اغتصاب حق أو كسب ميزة بالباطل، وهذه الشفاعة مذمومة ومرفوضة شرعا.
شفاعة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لأمته
شفاعة النبي لأمته هي وساطته عند الله عز وجل ليدخلهم الجنة أو يرفع درجتهم فيها، أو يخرجهم من النار أو يخفف عنهم العذاب.
وشفاعة النبي -صلى الله عليه سلم- ثابتة بالأدلة القطعية ومنها على سبيل المثال ما ورد عن النبي «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ [3]، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» [4].
ومن الأدلة على الشفاعة ما رواه أنس بن مالك –رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي أنه قال: “… فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.
من يستحق شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة
هناك كثير من الخلق يستحقون الشفاعة منهم المصلون، ومنهم المصلون على النبي، وأهل القرن وأهل الصيام والصدقات، وغيرهم من أصحاب الطاعات، بل تمتد الشفاعة لتشمل كل من في قلبه ذرة إيمان وكل من مات وهو لا يشرك بالله شيئا.
فاللهم اجعلنا ممن تشفع فيهم القرآن والصيام الصدقات، ارزقنا شفاعة المصطفى وتغمدنا برحمتك يوم الموقف العظيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ربنا وادخلنا الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب، يا ألله فأنت وليذلك والقادر عليه.