لعلَّ أحدكم يسأل: لماذا قد يحتاج المسلمون أن يتعرَّفوا على شروط المفتي وآدابه التي يجب أن تتوفَّر فيه وأن يتحلَّى بها؟ فنقول -بداية- أنَّ ربنا ﷻ قد أوجب علينا معشر المسلمين المُكلفين أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا. فقال -جل من قائِل- ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾. وكان أصحاب رسول الله ﷺ يستفتونه فيما ينزل بهم من حوادِث، وفيما يجِدّ لهم من أمور. وكان -صلوات ربي وسلامه عليه- يفتيهم، أو ينتظر الوحي من السماء.
ولذلك نقرأ في القرآن الكريم ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾، ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾.
وهكذا في كثير من آي القرآن. تبدأ بـ: يسألونك أو يسألك الناس أو يستفتونك. فنبينا ﷺ هو أول مفتٍ في هذه الأمة. وكذلك أصحابه من بعده -رضوان الله عليهم-. أعني أهل العلم. فما كانوا جميعا -رضوان الله عليهم- مفتين. بل اختص بذلك نفر من الصحابة الكرام -عليهم من الله الرضوان-. كانوا علماء بآيات القرآن وبسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-. وكان الناس يلجئون إليهم. ثم سار على هذا الدرب من وفقه الله ﷻ من السادة العلماء أئمة الدين. الذين كانوا منارات هدى للمسلمين في سائِر الأعصار والأمصار.
الشروط الواجب توافرها في المفتي
أيها المسلمون عباد الله؛ ليس كل امرئ مؤهلا للفتوى في دين الله ﷻ. قد قال علماؤنا: المفتي لا بد له من شروط:
- لا بد أن يكون مسلما. فلا يُقبَل قول في دين الله من كافر.
- ولا بد أن يكون مكلفًا؛ أي بالغا عاقلا. فالصبي والمجنون ليسا أهلا للفتوى.
- ثم لا بد أن يكون عدلا، سالمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
- ولا بد من أن تكون له نيّة. فمن ليست له نية، فليس على كلامه نور.
- ولا بد للمفتي أن يكون له وقار وسكينة.
- وأن يكون قويا فيما يفتي فيه.
- وأن تكون له كفاية، لِئَلا يمضغه الناس.
- وأن يكون عالِما بحِيل الناس وألاعيبهم. لِئَلا تنطلي عليه.
آداب المفتي
أيضًا؛ المفتي له آداب:
- فلا بُد أن يُحِيل على من هو أعْلَم منه. فإنه ﴿فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾. وقد سُئلت أمنا عائشة -رضي الله عنها- عن المسح على الخفين. فقالت للسائل: سل عليًا فإنه أعلم بذلك مني، وقد كان يسافر مع رسول الله ﷺ. هكذا أمانتها -رضي الله عنها- رغم كونها وِعاء من أوعية العلم؛ إلا أنها أحالت على علي، لأنه أخبر منها بهذا الأمر.
- ولا بد للمفتي كذلك أن يستشير إخوانه. فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المُحَدَّث المُلهَم. كان إذا نزلت بالمسلمين نازلة جمع الصحابة العلماء، وفيهم من هو حديث السن، كعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-. وكما قال: وكان القُرَّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أم شبان.
- وكذلك من أدب المفتي أن يرجع عن الخطأ إذا تبيَّن له. فكل بني آدم خطأ، وخير الخطائين التوابون.
- ومن أدبه ذلك أن ينطق بالحق ولا ينظر إلى رضا الناس أو سخطهم. لا بد أن يفتي بما يراه صوابا، رضي من رضي وسخط من سخط. وإذا كان في المسألة قولان؛ أحدهما فيه تشديد وفي الآخر رخصة. فما ينبغي أن يفتي العامة بما فيه تشديد وأن يفتي الخاصة من ولاة الأمور ومن كان مثلهم بما فيه تخفيف؛ فإن هذا استخفافٌ بالدين وخداع للمسلمين، ودليل على فراغ القلب من مخافة الله ﷻ، وعمارته بحب الدنيا.
مِحنة الإفتاء مُفْتُون
قد عَلِم أعداء الإسلام بأن وجود العلماء العاملين الذين يفتون الناس في نوازلهم، ويجيبون عن سؤالاتهم؛ بأن وجود هؤلاء عصمة للأمة من الفِتَن، ووقاية لها من الزلل. فعملوا على تغييب هؤلاء العلماء الصَّادقين، بعضهم في المنافي، بعضهم في السجون، بعضهم قد تسلطوا عليه بالقتل والإهانة، بعضهم مُنِع من الكلام. ثم بعد ذلك عمدوا إلى تصدير من ليس أهلا، وترميزه. وأن يكون في الواجهة أمام الناس، من أجل أن يضل الناس بغير عِلم.
قال رسول الله ﷺ «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»؛ والحديث في صحيح البخاري.