أتحدث عن كثب وكذلك أتناول شرح مرثية مالك بن الريب؛ فهي من أحب القصائد إلى نفسي ولا أسأم ولا أمل من ترديدها واستماعها؛ فهي أصدق الرثاء وأجمله.
لماذا؟ لأن الطلبات كانت تأتي على هيئة: من فضلِك: مطلوب شرح قصيدة ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي القرى.
مرثية مالك بن الريب التميمي
وهي من أكثر القصائد التي ترقى المشاعر وتؤثر في النفس تأثيرا عظيما؛ وذلك بعد أن علِمنا أنَّ مالك بن الريب يرثي نفسه بعد أن أيقن بدنو الأجل وأنه هالك لا محالة! تخيَّل الموقف..
والقصة باختصار أن مالكا هذا كان من قطاع الطرق ثم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان غازيا إلى خراسان فما زال به حتى أقنعه أن يتوب وينضم إلى جيش المجاهدين فقبل وحسن أمره.
ثم إنه في طريق عودته مع صاحبين له لدغته أفعى من ذوات السُّم الشديد فلما سري السم في جسده وأدرك أنه هالك من ليلته قال هذه البكائية التي تعد أصدق ما جادت به قريحة شاعر؛ ولم لا أيكذب الإنسان وهو يرثى نفسه في لحظات النزع!
بداية قصيدة مالك بن الريب
يبدأ في مطلع الديوان أو القصيدة متسائلا هل يمد الله في عمره ليلة أخرى يسوق فيها النوق إلى مرابدها:
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
ثم يذكر فضل الله عليه ثم فضل ابن عفان بعد أن كان سببا في تحويل مجرى حياته :
ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا
واستمتع معي بوصفه للحظات الموت الأخيرة:
أقول وقد حالتْ قُرى الكُردِ بيننا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا
إنِ اللهُ يُرجعني من الغزو لا أُرى
وإن قلَّ مالي طالِباً ما ورائيا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي
لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا
وحواره مع صاحبيه اللذين يمتيانه بالشفاء وقد أدرك الموت:
ولمّا تراءتْ عند مَروٍ منيتي
وحلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه
يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا
برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعضَ ليلةٍ
ولا تُعجلاني قد تَبيَّن شانِيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيِّئا
لِيَ السِّدْرَ والأكفانَ عند فَنائيا
وخُطَّا بأطراف الأسنّة مضجَعي
ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما
فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِياديا
يقولون لا تبعد وهم يدفنونى
وأين مكان البعد إلا مكانيا
ثم يتذكر من يبكي عليه بعد موته فلم يجد إلا القليل:
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محبوكاً يجرُّ عِنانه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
البنت وأبيها
ثم يتذكر تلك العلاقة الخاصة بين البنت وأبيها، وأظنه أول من وصفها أصدق وصف، فهي أشد الناس احتياجًا إليه وهى حبيبته وقرة عينه وهي أشد الناس حزنا عليه بعد رحيله و هي الوحيدة من أهله التي استشعرت قرب وفاته حين كان خارجا للسفر:
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ رحلتي
سِفارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
وختامًا؛ وبعد أن تناولت أقلامنا قصيدة مالك بن الريب ألا ليت شعري؛ فمن أراد أن تصفو نفسه، ويسلو قلبه آلام الدنيا محلقا بجناحين من نور في الفضاء بعيدًا عن الأرض ومن عليها فعليه بالقرآن الكريم ثم الأدب العربي.
تحميل القصيدة PDF
والآن؛ يمكنك تحميل قصيدة مالك بن الريب يرثي فيها نفسه بصيغة PDF (هنا).
تأثرت على حتى شعرت كأني أنا صاحبها