عن كثب، هنا، سنتحدَّث عن شخصية أثَّرت في حياتي. حيثُ لا تخلو حياة الإنسان من شخص له الفضل في تغيير حياته إلى الأفضل وتأثيره عليها ولو جزئيًا أو وجود مَنْ يسعى في تطوير شخصيته وكيانه إلى الأمام، قد يكون المؤثر هو أحد الوالدين أو الأخوات أو الأصدقاء أو الأقارب على حسب ما يقابله المتأثر فيهم من صفات تُكمل النقص الذي يشعر به أو تساعده في إعادة ترتيب أموره وأولوياته، ولعل خير ممثل لهذا الكلام هو حكاية تجربتي الشخصية عن الشخص الذي أثر في حياتي.
أمي .. شخصية أثرت في حياتي
الأم .. لم أجد أفضل من أمي كي أخبرها أنها هي الأولى والأخيرة التي أثرت على حياتي كلها سواء في تكوين شخصيتي أو طريقي العلمي والمهني:
أوقن أن أمي أعطتني كل الحنان والحب والرعاية التي لا أستطيع أتذكر بدايتها عند مجيئي للحياة بل أتمكن من سرد ذكرياتي بداية من سن الخامسة،فأول ما قصصته أمي على مسامعي سورة الفاتحة وأخبرتني أننا سوف نذهب إلى الجنة في يوم من الأيام، عقلي كان صغير بالحد الذي لا أتصور فيه الجنة إلا أشجار وفاكهة وألعاب.
حفظ القرآن الكريم
اهتمت أمي بحفظي للقرآن في سن مبكرة، وأخبرتني أنه التاج الذي يزين رأسي عندما أدخل الجنة، وصف لي أنه هدية الله لنا من السماء أرسلها مع النبي محمد، أكدت لي أننا إذا حفظناه واتبعنا تعاليمه سوف نرافق النبي ﷺ في الجنة ونسمع القرآن بصوته، أمي جعلت مني رمزًا مشرفًا في المنطقة التي أقطن بها عندما تم تكريمي كحافظة للقرآن الكريم في سن الحادية عشر، روت قلبي وروحي بنظرات إعجاب الناس وفخرهم بي.
الصلاة
غرست في قلبي حب الصلاة وأكدت لي أن حفاظي على الخمسة أوقات يوميًا معناه امتلاكي لمفتاح الجنة، أخبرتني أنني إذا رغبت في أي شيء مهما كان لا أذهب إليه إنما أتوضأ وأذهب إلى الله أولًا ثم أخبرها هي ثانيًا.
غرس الصفات الحميدة
حرصت أمي على أنني أتعلم معنى الإخلاص والوفاء اتجاه الآخرين، دومًا ما تذكرني أن أحب لأصدقائي ما أحبه لنفسي، علمتني الصدق والأمانة وأبعدت قلبي عن حُب الزيف والكذب، أخبرتني أن صدق رسول الله جعل المشركين يثقون فيه لتخزين أموالهم فنصحتني بأن أهتدي به.
التعليم
حرصت على اهتمامي بالتعليم، أتذكر أنها لم تعاقبني يومًا على تقصيري في أداء الواجب بل كانت تجلس بجانبي وكلما أنجزت خطوة تعطيني قبلة للتحفيز، كانت ترفع من معنوياتي للدرجة التي تمدحني وتحتضنني عندما ترى حقيبتي المدرسية مرتبة، كانت تصفني دائمًا بالنبوغ وتقول لي أنها سوف تراني مثل نبوية موسى (أول رائدة في التعليم).
لم تجبرني يومًا على تحقيق شيء معين كرغبتها في أن أصبح طبيبة أو مهندسة بل هي أحسنت تمهيد طريقي وأطلقت لي العنان، كانت تخبرني دومًا أنها تثق بأفكاري وقراراتي.
ثقتها بي ليس لأنها أمي بل بالإضافة إلى قياسها لقدراتي العقلية والفكرية دومًا عندما كانت تمدني بالكتب المفيدة والقصص بدءًا من طفولتي حتى اليوم، كانت تناقشني فيها أيضًا لتكتشف مدى استفادتي منها.
أتذكر دموع أمي في حفل تخرجي عندما احتضنتني أمام الجميع وأخبرتني أنني أتممت الرسالة بكل تفوق، ظلت تدعو الله لي بأن يرفعني درجات جزاء ما أوتيت من العلم.
تحسين نظرة الناس لي
كانت تذكرني بأنني في النهاية أنثى ولم يقتصر نجاحي على العلم فقط بل النجاح الحقيقي هو أن أكون أنثى ذات خلق ودين وحياء، لم تعنفني يومًا بل اتخذت من جميل التعبيرات وسيلة لإيضاح المطلوب فعلى سبيل المثال قولها لي أن صوتي ساحر إلى حد الفتنة فلا يجب رفعه أم العامة.
الصمود والقوة
لم تجعلني ضعيفة ولو لحظة واحدة، كانت تخبرني دائمًا بضرورة السعى وراء حقي ما لم يؤثر ذلك على حيائي، كانت تقويني وتجعل مني شخصية شجاعة تتحلى باللباقة ومواجهة أي طغيان سواء في حياتي الشخصية أو المهنية.
العمل
لم تنظر إلى عملي على أنه مصدر رزق شهري بل وجعلتني أنا أيضًا أعتبره جزء من شخصيتي، أخبرتني بضرورة تركي لأثر في المجتمع وهذا العمل هو الوسيلة إلى ذلك.
ما أعظمك يا أمي! كانت تبحث بنفسها على مواقع الإنترنت على كل الأبحاث العالمية الجديدة التي تخص مجال عملي لكي أطبقها في المدينة التي أقطن بها.
المقارنة بنساء الأنبياء
لم تقل لي يومًا أريدك مثل فلانة أو ابنه فلانة بل كانت تحفزني بأشرف نساء الأرض، فكانت تقول لي صوني نفسك مثل السيدة مريم، واكسبي بر أباكِ كفاطمة ابنة النبي محمد، وتمسكي بدينك كماشطة ابن فرعون.
إليكِ يا أمي .. شخصيتي ما هي إلا صنع يداكِ، لولاكِ ما حققت هذا ولا ذاك، أعترف بدورك وفضلك عليّ كأم مثالية أولًا وخير صديق يعين صديقه ثانيًا.
أدعو الله كثيرًا أن يصب كل النفع الذي صنعتيه لحياتي في ميزان حسناتك يرفعك بها إلى الفردوس الأعلى، كنتِ تخبريني دومًا أنكِ لا تريدين إلا سعادتي وها أنا حققتها بك وبوجودك، طبتِ وطاب مأواكِ يا حبيبتي.