متنزه مرليون ناطحات السحاب
فور وصولي مطار سنغافورة، علمت أن هذه الدولة أعطت نفسها وجميع من زارها انطباعا متميزا بأنها بلد يعيش ويسير على نظام عال جدا. هذا النظام، نتج منه شعب مرتب وشوارع نظيفة وأسلوب حياة منظم في الجملة. قلتها فور الوصول: يمكن الحكم على دولة بأنها منظمة من شوارعها.
المطار والمرافق المذهلة
من أجمل المطارات التي زرتها. هناك ستجد بالإضافة إلى الأسواق، استئجار لغرف فنادق بالساعات وجلسات استرخاء وتدليك بالإضافة إلى المطاعم. يتميز المطار بحداثته وضخامته، ويتصل ببعضه البعض عن طريق ما يعرف بالقطارات المعلقة. ويستلزم على القادم من السعودية الحصول على تأشيرة الدخول من بلد القدوم على عكس إندونيسيا التي تتيح للزوار الحصول على التأشيرة في المطار، وإجراءاته تتطلب منك حجزا للفندق وتعبئة نموذج تعريف بسبب الزيارة بالإضافة إلى حجز الطيران. معالجة طلب الحصول على تأشيرة قد يأخذ من 4ـ7 أيام عمل في السفارة السنغافورية في الرياض.
حوار مع سائق التاكسي
حين وصلت المطار، بحثت عن سيارة أجرة فدلتني اللوحات الإرشادية، «أكره أن أسأل أحدا عن شيء يمكنني معرفته»، إلى موقف سيارات الأجرة، وقبل الدخول في الصف، وجدت لوحة تم توضيح فيها القيمة التقريبية لكل وسيلة مواصلات «قطار/ تاكسي/ تاكسي فاخر.. إلخ» إلى وسط المدينة لئلا يخدع السائح. وجهّني المسؤول للركوب مع أحد سائقي الأجرة، سألته بالطريقة السعودية! «بكم يالأخو؟» فقال: في سنغافورة لا توجد تعريفة ثابتة، والتنقل بسيارات الأجرة يعتمد على العدّاد.
انطلقنا من المطار صوب الفندق، وأول ما لفت انتباهي في الطريق هو أننا كنا نسير في منطقة أشبه ما تكون بالغابة التي تم ترصيفها. حيث كان مسيرنا في شوارع نظيفة مظللة عن اليمين والشمال بأشجار تلقي بظلالها على الطريق.
لفت نظري أيضا، الشوارع ونظافتها ووضوح معالم المسارات هناك «يعلق أحد الأصدقاء على شوارع سنغافورة بقوله: ودّك تلحسها من نظافتها» يندر أن تجد قاذورات أو تصدّع فُجائي في الشارع أو لوحات تم الكتابة عليها. علاوة على ذلك، القيادة هناك كانت مريحة – كما بدا لي – فخلال مدة إقامتي أستطيع عد المرات التي سمعت فيها أصوات منبهات السيارات على يدي، فالسنغافوريون لا يستخدمونه إلا فيما ندر.
بادرت بسؤال سائق الأجرة، عن المنطقة التي أسكن فيها وعن بعض الأماكن التي من الممكن الذهاب فيها. أخذت صاحبنا الحميّة لبلده وتحول إلى مرشد سياحي وأصبح كل ما مررنا بمعلم يشرحه ويفصل فيه بإنجليزيته الصينية.
أشار إلى إحدى ناطحات السحاب الغريبة وقال: هنا يقع واحد من أغرب وأكبر الملاهي حول العالم! وفعلا بدا شكل الدور الأخير مثل الكروز / الباخرة.
قبل وصولنا للفندق، مرت السيارة أسفل أشبه ما يكون بالبرج، عندها صاح سائق التاكسي وقال: أرأيت؟ قلت: ماذا؟ قال: للتو أخذت مني الحكومة دولارين! قلت: لماذا؟ قال: ضريبة تهدف إلى تقليل نسبة السيارات والدراجات النارية بكافة أنواعها.
علمت فيما بعد أن الذي مررنا أسفل منه هو «Toll» أو منطقة جباية، مثل تلك التي تكون على الطرق السريعة، لكنها في سنغافورة في وسط المدينة. لم نتوقف لدفع المبلغ بل تم ذلك كله بشكل أوتوماتيكي عن طريق تقنية الـRFID.
بعدها بدأ بإعطائي بعض النصائح أسردها لكم تباعا:
- الشعب لطيف، لا تتردد في السؤال.
- البلد آمن ولا يوجد إشكال أن تتجول في أي وقت على قدمك.
- إذا أردت إيقاف سيارة أجرة، فابحث عن موقف مخصص لسيارات الأجرة.
بعد الدخول لغرفتي، غرقت في نوم عميق، وبعد استيقاظي، كانت الشمس قد غابت وقررت عندها أن أقوم بالتجول حول منطقة الفندق الذي كنت أسكن فيه. سكنت في شارع اسمه «Victoria St» وموقع الفندق استراتيجي وقريب من كل شيء! وفعلا هذا ما لمسته.
مقابل الفندق تماما، كان هناك مبنى هائل، علمت بعد أخذ الجولة أن هذا المبنى العظيم هو مكتبة سنغافورة الوطنية وعلى امتداد الفندق، يوجد مركز تسوق كبير جدا تناولت فيه وجبة غدائي المتأخر.
لفت نظري أمر في تصميم المجمع التجاري، وتحديدا السلالم الإلكترونية. حيث وجدت أن من صمم المركز قام بعمل سلم طويل وضخم جدا يصل الدور الأول بالدور الرابع «منطقة المطاعم» مباشرة دون المرور بأي من الأدوار الخاصة بالتسوق. أما في النزول، فالأمر يشابه أي سلالم كهربائية موجودة في أي مركز تسوق، حيث يوجد سلم نزول لكل درج. سألت نفسي، لماذا يعمد هؤلاء إلى هذا الفعل؟ ويظهر لي أن المصمم أراد في البداية نقل الزائر للمطاعم / المقاهي وبعد الاسترخاء وتعبئة الثلاجة سينزل الزائر ويمر بالمحال أثناء نزوله. إن الزائر الذي أتى ليأكل ـ مثل حالاتي ـ لن يفكر وهو صاعد أن يمر بمحال تجارية لأنه ـ جائع ـ أما عند النزول، فسيمضي وقت أطول في التنزه والتجول..
لفت نظري أيضا في هذه السوق، محال دون بائعين. فقد استغل القائمون على هذا المركز التجاري الجهات الميتة الملاصقة للإطارات بعمل مربعات زجاجية يعرض فيها أصحاب الأعمال الصغيرة / الخيرية منتجاتهم وطرق التواصل بهم.
مشكلة المساحة الصغيرة!
من الأمور الملاحظة التي نبهني لها الأصدقاء قبل السفر في سنغافورة، هي ضيق المساحة، فسنغافورة بلد صغير «نسبيا» ويقع على جزيرة، محدودية المساحة أدى إلى ارتفاع أسعار العقار هناك، حتى إن أحد سائقي الأجرة أخبرني أن تكلفة المتر المربع في إحدى العمائر في وسط المدينة قد يصل إلى 2500 دولار سنغافوري. إلا أني لاحظت أن السنغافوريين تعاملوا مع هذه المشكلة بشكل جيد في كثير من الأحيان. خذوا على سبيل المثال، الفندق الذي أقطن فيه. في الغرفة التي كنت أمكث فيها كان هناك دورة مياه، بابُها غريب عجيب يوضح كيف تصرّف أصحاب الفندق مع ضيق المساحة، فباب دورة المياه تم تصميمه ليكون بابا منزلقا عوضا عن الباب المعروف.
لا يفوتك هنا الاطلاع على: السياحة في مانهايم
لا تخطط لرحلتك تماما
قبل أن أسافر، كنت قد جهزت بالتعاون مع بعض الأصدقاء خطة للأماكن التي سأزورها، وحصلت على كتيب إرشادي من السفارة السنغافورية – باللغة العربية – لأبرز الأماكن والمزارات التي لا تفوّت. لكن الذي حدث عندما وصلت هناك، أني قمت بالتجول والمشي على قدمي لأترك الاستكشاف يأتي بشكل تلقائي ومفاجئ. وبعد الرجوع لقائمة الأماكن، وجدت أني ـ وبهذه الطريقة العشوائية ـ زرت العديد من الأماكن المهمة.
وفّر واستمتع باستخدامك للمواصلات العامة
إلى جانب أن استخدام المواصلات العامة «باصات، مترو» يعطيك انطباعا عن الشعب بشكل أفضل، فهناك جانب آخر مهم لا يمكن إغفاله وهو الجانب الاقتصادي. في بلد متقدم مثل سنغافورة أو غيرها من الدول المتقدمة، يمكنك الاعتماد في تنقلاتك على المواصلات العامة وباعتمادك عليها، ستكون قد وفرت قدرا كبيرا جدا من المال.
مثلا استقللت سيارة أجرة أخذتني إلى وسط المدينة وكلفني ذلك قرابة 15 دولارا. في اليوم التالي، استخدمت الحافلة لإيصالي لنفس الوجهة، وكلفني ذلك دولارا واحدا فقط. نتكلم هنا عن 15 ضعفا. حينما استخدمت المترو، كلفني ذلك 2.5 دولار تقريبا. الفارق الوحيد بين كل وسيلة مواصلات وأخرى هو في مقدار الوقت الذي سيمضيه الشخص في انتظار وسيلة المواصلات لتجهز. وكثير من السعوديين لا يحب ولا يريد الانتظار، لذلك يعمد إلى استخدام الوسيلة «الأسرع» علما أنه لن يتضرر من هذا الانتظار الطفيف. فيمكن للشخص وقتها التأمل أو القراءة أو حتى الاستماع إلى بودكاست أو أغنية مفضلة بواسطة الآيبود الخاص به.
وهنا رحلة: السياحة في مولدوفا
المكتبات الوطنية.. سحر الثقافة
عند زيارتي لمدينة ملبورن لعام 2009، زرت مكتبتها العامة. ولم أكن أصطحب جهازي المحمول وقتها واستفدت من أجهزة الحاسب في المكتبة في إنجاز كثير من أموري وقضاء وقت لا بأس به هناك. الأمر ذاته تكرر في هذه الرحلة، إلا أن مكتبة سنغافورة الوطنية مهولة جدا مقارنة بمكتبة ملبورن أو مكتبة الملك فهد الوطنية قبل التطوير.
المكتبة تتكون من عشرة طوابق، كل طابق متخصص في مواضيع معينة، وثقافة معينة. عندما هممت بالدخول للمكتبة لفت نظري في ساحة المكتبة الكبيرة عدد كبير جدا من الأشخاص «نحو 70 – 120 شخصا» يتمرنون أمام الناس على نغمات موسيقى وتوجيهات مدرب استقل منصة أمامهم، تماما كما في الحفلات الغنائية.
ظهر لي بعد ذلك، أن أحد المراكز الرياضية هناك قام بعقد هذه التمارين المجانية في هذا المكان، وسيلة دعائية فعالة أفضل من إعلان في جريدة!
دخلت المكتبة وعند البوابة فاجأتني لوحة إعلانية كُتب عليها «رحلة» باللغة العربية الفصحى. وأسفل منها كُتب: «العرب في جنوب شرق آسيا».. ألم أقل لكم إن العشوائية قد تكون مثيرة في كثير من الأحيان! ولحسن الحظ، فالمعرض لا يزال قائما. دفعني الفضول للتوجه وزيارة المعرض ومعرفة ما فيه، وفعلت فعلا.
المعرض باختصار، يشرح ويقص قصة العرب الذين هاجروا إلى سنغافورة وقطنوا فيها واستوطنوا. يعرج المعرض على سيرهم ومن أين أتوا؟ وماذا كانت طقوسهم؟ وإلى أين صاروا؟ معظم العرب المقصودين كانوا «حضارم» وأذهلني فعلا في المعرض غزارة المعلومات وطريقة العرض المستخدمة. فبالإضافة إلى الشاشات التفاعلية لتعلم العربية، كان هناك مجسمات ومتحف مصغر لملبوسات العرب ومقتنياتهم التي كانوا يستخدمونها.
بقلم: مازن الضراب