إن الجد أو الجدة هم كبيري العائلة، كما أنهم كاسري القوانين في هذه العائلة قبل أبنائنا، كلمتهم مسموعة وتوجيهاتهم تعتبر وصاية لا نقاش في فعلها.
تقع الأسرة الصغيرة في حيرة بين خضوع للوصاية أو تسيير لحياتهم كما يخططون، لذلك تعتبر حيرة الوصاية هي معركة مصنوعة بحب حيث يعتقد البعض من كبار السن سواء الجد أو الجدة بأنهم على حق حين يفرضون تلك الوصاية أبنائهم وأبناء أبنائهم.
ما هي أسباب فرض الجد والجدة الوصاية على الأبناء؟
ذكرت الدكتورة ندى العابدي ” عضو مركز همم للبحث والتحليل الاجتماعي ” أن طبيعة المجتمع العربي عموماً أنه مجتمع أبوي بمعنى أنه يعطي سلطة للآباء على الأبناء، وتبقى هذه السلطة موجودة بل ويشعر بها الآباء بوجودهم وباحترامهم وكيانهم داخل الأسرة باستمرار هذه السلطة حتى بعدما يكبر الأبناء ويتزوجون وينجبون الأبناء وتتحول هذه السلطة تلقائياً من الآباء إلى الأحفاد باعتبار أن المجتمع العربي بمثابة نسيج اجتماعي مترابط مرةً يشد هذا النسيج باتجاه الولاء الأبوي ومرة أخرى يشده تحت اعتبارات عائلية حفاظاً على الروابط وحفاظاً على القرب العائلي خاصةً وأن الصبغة المسيطرة على المجتمعات العربية هي الصبغة العشائرية، وبالتالي بقاء هذه السلطة الأبوية يعتقد بها الأجداد أو الآباء فيما تمثل الحفاظ على الكيان العائلي والحفاظ على الأبناء لتصل القضية إلى فرض تزويجهم من أقاربهم، وتستمر هذه السلطة حتى تكون مفروضة كذلك على الأحفاد في طريقة التربية أو طريقة التعامل مع مستجدات الحياة.
ما هي سلبيات وإيجابيات تدخل الأجداد في حياة الأحفاد الصغار؟
كما نعرف جميعاً فإن هناك تحولات ثقافية كبيرة في المجتمعات تتمثل في:
- وجود العولمة.
- انفتاحنا على الانترنت والعالم الآخر.
- عمل الأمهات والآباء حتى ساعات طويلة من النهار وغيابهم عن المنزل.
- انفصال للأمهات عن الآباء بسبب مشاكل عائلية.
- فقدان أحد الأبوين أو كلاهما.
وبالتالي وجود الأجداد وحضورهم المستمر داخل العائلة يضمن عدة إيجابيات من بينها:
- وجود البيئة العاطفية التي يستطيع بها الأحفاد أن ينموا نمواً صالحاً وفق معايير أسرية صحيحة.
- إن تفرغ الأجداد وخبرتهم الطويلة في الحياة وبعدهم عن شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي جعل من لغة الحوار عندهم شيء مختلف وعالي بحيث أنها تستطيع أن تتيح للأبناء أو للأجداد بيئة حوارية سليمة يستطيعون فيها أن يمارسون هواياتهم ويظهرون قدراتهم الابداعية عن طريق التعبير عن مشاعرهم والتعبير عن ما يفكرون به.
أما عن الجانب السلبي في فرض وصاية الأجداد على الأحفاد والأبناء فيتمثل في أساليب التربية القديمة التي يقدمها الأجداد للأحفاد وربما الأبناء، ومن ثم فإن هذه الطرق والأساليب التربوية التي يتبناها الأجداد على الأجداد تتطور مع الوقت ونحتاج فيها دوماً إلى مواكبة الحداثة وأن نوازن بين ما يتقدم فيه العالم وبين أعرافنا وتقاليدنا الأصيلة حتى لا تندثر تلك التقاليد، وهذا التوازن يستدعي تدخل الآباء ليكونوا هم حلقة الوصل بين الأجداد والأحفاد حتى لا يعيش الأحفاد مع الماضي، ولكننا أيضاً لا نريد منهم أن ينزلقوا تماماً للحاضر وينسلخون من القيم التي تربطهم بالمجتمع العربي المصبوغ بصبغة النسيج الاجتماعي المترابط وهو الأمر الذي يتيح لنا علاقات اجتماعية كبيرة ومحاولة التكيف مع المجتمع، وهذه علامات صحية جداً لبناء شخصية الأطفال.
كيف للآباء استعادة السيطرة على الأبناء في وجود الأجداد؟
إن سيطرة الآباء على أبنائهم في ظل وجود الأجداد تُعد ضرورية بشكل كبير لأننا لا نريد أن نخسر الأجداد ولكن في نفس الوقت بالسيطرة على أبنائنا وطريقة تربيتهم بطريقة سليمة.
مضيفةً: إنني أعيش هذه المشاعر الآن عندما أرى ابنتي كيف تقوم بتربية ابنتها وفق تقنيات ربما أسميها أنا تقنيات اليكترونية، لكن الآن أظل متمسكة بالكثير من الأمور التي تعلمتها من الأجداد والأمهات، لذلك فإن محاولة خلق التوازن بيننا تتمثل في كيفية إيجاد سبل واقعية للتفاهم مع أبنائنا، لأننا إن استطعنا أن نردم مساحات الفجوة بين الآباء والأمهات فإن هذا بالضرورة سوف يقرب المسافة بين الأجداد والأبناء والأحفاد، وهنا لابد من وجود اتفاق بين الأطراف الثلاثة على صيغة واحدة للتربية لأننا لا نريد أن نبخس الأجداد حقهم خاصةً وأن الكثير منهم قد تفرغ لتربية الأحفاد مع انشغال الآباء والأمهات في بناء حياتهم السريعة والتي تتطلب منهم الحضور المستمر، ومن ثم نلاحظ تغيب الآباء والأمهات عن البيت لساعات طويلة ولكن حضور الأحفاد مع الأجداد يقرب هذه المسافة ويضفي أجواء من الحميمية والتي يحتاجها الطفل لبناء العاطفة وبناء النفس فيما بعد.
كيف يمكن للعائلة الصغيرة العيش باستقلالية داخل البيت الكبير؟
بالتأكيد أن كل أسرة في هذا المجتمع يجب أن ترسم لها استراتيجيتها الخاصة، وهذه الأسرة تُبنى استراتيجيتها بالاتفاق ما بين الزوج والزوجة بجلسة واضحة وصريحة توضع فيها الخطوط الحمراء وتوضع فيها المسموحات، وبالتالي حين يكون هنالك اتفاق بين الزوج والزوجة بعيداً عن الأبناء على طريقة التربية فإن هذه النتيجة ترسم للأطفال بعض المحددات في أن ما يقال لهم من الجد أو الجد يمكن أن يكون مسموحاً إلى حد ما، ولكن خارج هذه الحدود فالقول الفصل هو للوالد أو الوالدة.
وختاماً، يذعن الأطفال بالنتيجة لهذه التعليمات الأسرية التي تُعد بمثابة بروتوكول أسري إذا احتُرم من قبل الأم والأب ولم يتم كسره من أحدهما فبالنتيجة سوف نقوم بتربيتهم وفق النهج الصحيح خاصةً وأنهم طبيعياً يعتمدون على تقليد الآخر.