رمضان شهرُ مباركً، رمز كبير وانعكاس لمعنى صلة الأرحام بين المسلمين، نعلم أن المفترض أن يكون هذا طوال العام، لكن من فضل الله -سبحانه وتعالى- علينا أن جعل هذا الشهر الفضيل لنا منحة.
حينما تدق مدافع رمضان، ويصاحبها صوت الأذان مترنماً يصدح في الأفاق، ويلتف الصائمون حول مائدة الإفطار ليفرح كلاً منهم فرحتاه تلك الفرحتين التي ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي أخرجه الإمام مسلم عن ابى هريرة – رضى الله عنه – قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه “.
رمضان شهر صلة الأرحام
وهناك فرحة نفسية واجتماعية فتتخفى في تجمعنا حول مائدة الإفطار وتواصلنا في شهر رمضان المعظم حيث يتبادل الجميع الحمد والثناء والابتسامات، إنها فرحة صلة الأرحام، يتذكر كل منا الغائب ويدعو له وربما بادر بالاتصال والسؤال، كلها أشكال مختلفة وجميلة لعبادة أوصانا بها رب العزة ورسوله الكريم، فصلة الرحم عبادة وخُلق يُربى ويُغرس في طباعنا ونشأتنا منذ الصغر لنحصد ثمارها حينما نشب ونكبر.
وأولى هذه الثمار وأعظمها هي رضا المولى عز وجل والاتصال بعرشه المبارك كما أخبرتنا أمنا وأم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ” الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ” رواه الإمام مسلم.
أما بقية حصادنا من الثمار فنراه في رضا الكبار عنا ممن نصلهم ونودهم واحترام الصغار وحبهم.
وليست الصلة مقتصرة على الأهل والأقارب المقربين فقط، بل كل من استطاعت نفسك الودودة أن تتذكره من أهلك أقربهم وأبعدهم، فقد قال الله في كتابه الكريم ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلوا به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ” (سورة النساء).
ولنلتفت جميعاً إلى ختام الآية (إن الله كان عليكم رقيباً) حيث أن؛ صلة الأرحام طاعة مقرها القلب ونية خفية لا يعلم أصلها إلا الله، فإن كنت تصل رحمك ابتغاء مرضاة الله فلك الأجر، إن كنت تتظاهر بصلة الرحم نفاقاً وابتغاء لمرضاة نفسك ومصالحها فالله على قلبك وما فيه رقيب.
أما لمن لا يصل رحمة فقد منحه الرحمن أملاً كي يعود طارقاً باب الوصل من جديد، فعن أبى هريرة -رضى الله عنه – قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:”إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائد بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قال: بلى يارب، قال: فهو لك ” صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبحان العلى العظيم يصلنا ونتكاسل عن وصله.
رمضان مبارك
فهلمّو نغتنم رمضاننا في تجديد نوايانا ونلحق بركب المتقين الذين يصلون الأرحام، فصلة الرحم أمر نبوي صريح لكل مسلم ومسلمة فقد روى البخاري عن أبى هريرة -رضى الله عنه – قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”.
ومن ذاك الحديث فلنا ان نتخيل حجم عظمة صلة الأرحام عند المولى عز وجل ونبيه حينما يربطون الإيمان بالله بصلة الرحم، فهنيئاً لكل من وصل رحمه، هنيئاً لكم فقد كنتم ممن قال عنهم المولى عز وجل “الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب” سورة الرعد.