شهر رمضان هو شهر الطاعة، صلاة القيام يستقبله الناس بالحفاوة والبهجة، لما فيه من الأمل الجديد الذي يضفيه على القلوب، لأنه يسهل لهم التوبة النصوح، وفيه من الفضائل ما لا نعهده في الشهور الأخرى، تلك الفضائل، من ابتعاد الشياطين، وتسلسلهم، وفتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النار، والعتق من النار، والدخول من باب الريان الذي هو للصائمين الذين قضوا صيامهم إيمانًا واحتسابًا.
شهر الإقبال على الله بالطاعة المغلفة بالنية الخالصة، فالمسلم يجب أن يعد نفسه عندما يشارف مجيء شهر رمضان على الطاعة، وتحمل الصيام دون كسل، أو كلل من الإقبال على الله، بالأعمال الصالحة التي لا تنقطع، بل التي تدوم حتى بعد رمضان، من الصلاة الخاشعة المتبتلة، والأذكار الحكيمة التي تنقي الروح واللسان، وتلاوة القرآن الذي يضيء طريق المسلم ويهديه، فالقرآن جاء لهداية الناس إلى طريق الله في الآخرة، والطريق المستقيم في الدنيا. وغيرها من العبادات الصالحة التي تهذب النفس وتقرب الإنسان إلى الله محبة فيه وليس لمجرد أداءً للفرائض، فيصلي نوافله، ويقيم ليله، ويخرج صدقاته بقلب رحيم وجل، واعترافًا بنعم الله عليه.
لا غرو أن القرآن الكريم قد تنزل على الرسول “صلى الله عليه وسلم” في شهر رمضان، وكان القرآن الكريم هو المصباح الذي أضاء عقول الأمة الإسلامية، فجعلها تعذف عن التخلف والعصبية، ونبذ فيهم روح التفرقة، ووحد كلمتهم ورايتهم، ووضع أسس المجتمع المسلم الذي لا يضاهيه مجتمعًا. وسار على نهجه المسلمين حتى صارت الأمة الإسلامية، في عصور قديمة، إمبراطورية كادت تتعدى دعوتها الدول الأوروبية ابتداءً من الأندلس وفتحها، التي كانت معبرًا لانتشار دعوة الإسلام في الدول الأوروبية.
كل ذلك من فضل القرآن الكريم علينا، وفضل تدبره والعمل وفقًا لأحكامه وفروضه، وسيرًا على خطى النبي “صلى الله عليه وسلم” والذي بين لنا أحكامه ووضح الغامض منها، وأتم في نفوسنا الأخلاق الكريمة الفاضلة، والعبادة الصالحة، فرغم أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قد غفر له ما تأخر من ذنبه وما تقدم إلا أنه كان يتقرب إلى الله بالصلاة، شكرًا لنعمته وحمدًا له، فما أحوجنا إلى الاقتداء بالرسول “صلى الله عليه وسلم” ونفوسنا قد امتلأت بالمعاصي والذنوب.
لذلك يجب على المسلم أن يعود في شهر رمضان إلى الأوقات الأولى لنزول القرآن الكريم، ويستشعر فيه التغيير الذي أحدثه في قلوب المسلمين الموحدين، وفي سلوكهم ونفوسهم.
للقرآن فضل على المؤمنين في الدنيا والآخرة
إن القرآن حين تنزل على العباد، لم يكن نزوله محض هراء، بل لحكمة يعلمها الله، وفوائد وفضائل كثيرة في الدنيا والآخرة، فالقرآن معجزة الله في الخلق، هو الكتاب الذي يهديهم إلى الطريق المستقيم، فلا يجب أن ينشغلوا عنه، فهو سلاحهم للهداية، ولإدراك عظمة الله.
والقرآن له من الفضائل في الدنيا والآخرة ما لا يحصى، ولا يقدر بشيء؛ أما في الدنيا:
- فقارئ القرآن يصفو ذهنه عن هموم الدنيا ومشاغلها، فالقرآن حين يتدبره المسلم، ويعمل بما أنزل الله فيه من العظات والأحكام، ويتمسك بما أمر الله به فيه، ويبتعد عما نهى الله عنه، فإنه لا ينشغل بالدنيا وهمومها، بل يلجأ إلى ما قاله الله فيه، وهو في ذلك خير رفيق.
- والقرآن يساعد على قوة الذاكرة، وما أحوجنا إلى الذاكرة في أيامنا هذه، فالطالب في حاجة دائمة إلى ذاكرته ليستوعب عدد أكبر من المعلومات، والدارسين بمختلف تخصصاتهم، والعاملين، وكل البشرية في حاجة إلى مثل هذه النعمة، وهذا الرزق يأتي بالتدرب والتمرين، وخير مدرب هو القرآن الكريم، وذلك من خلال تدبره وفهم معانيه وأدقها والعمل بها.
- قارئ القرآن لا يخلو قلبه من السعادة، فالقرآن هو الرفيق الذي يهدهد قلب المؤمن، ويعينه على مناكب الدنيا، ويعزيه، ولا يجعله منكسر الرأس أمام المشكلات والابتلاءات، غير أن قارئ القرآن بالتدبر والعمل يشعر بالزهد الذي يضفي شعور السعادة والرضا في القلوب، وذلك رزق كبير من الله “سبحانه وتعالى”
- ولا يخلو قارئ القرآن من الثقة في النفس، والشجاعة في مواجهة مناكب الدنيا وابتلاءاتها، فالقرآن رفيق المؤمن يقف في ظهره، ويشد عضده، ولا يضيعه أبدًا.
- كما أن القرآن ينظم علاقات الإنسان الإجتماعية، فالقرآن فيه من السلوكيات التي تجبر الآخرين على احترام قارئه، وفيه من النور ما يجعل قارئ القرآن يحسن اختيار من يجاوروه ويرافقوه، وذلك رزق من الله “سبحانه وتعالى” وفضل.
- غير أن القرآن الكريم يرفع من إدراك الإنسان، ويعطي لكل شيء في الدنيا حجمه، وما يجب أن يتزود منه علمًا نافعًا، وما يجب ألا يخوض فيه مما لا يعود عليه بالنفع.
تلك هي فضائل القرآن الكريم على الإنسان في الدنيا، أما في الآخرة، ففضله عظيم، وأجره كبير، والخاسر من تركه دون أن ينال هذا الأجر العظيم، ومنها:
- أن القرآن الكريم يكون شفيعًا لقارئه يوم القيامة، وما أحوجنا إلى الشفاعة أمام الله “سبحانه وتعالى”، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (قْرَؤوا القرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه).
- وقارئ القرآن له بكل حرف يقرؤه حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، فتخيل مقدار ما يحصل عليه المسلم من الورد اليومي الصغير، إذا التزم به، من الحسنات.
- غير المكانة التي يحظى بها قارئ القرآن في الجنة، والمنزلة الرفيعة التي يرتفع إليها، والدرجات العالية التي ينالها حينذاك، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارتقِ، ورتِّلْ كما كنتَ ترتِّلُ في الدنيا، فإنَّ منزلَكَ عند آخرِ آيةٍ تقرؤُها).
التمسك بكلام الله في شهر رمضان خير معين
فضلًا عن الفضائل الذي ذكرتها آنفًا عن القرآن الكريم، فإن القرآن في شهر رمضان تحديدًا إذا تمسك به المسلم فقد اقتدى بالرسول “صلى الله عليه وسلم” فالرسول لم يتوانى في تدارس القرآن الكريم وتعليمه للصحابة “رضي الله عنهم” والقرآن في تعليمه للصحابة كان على مراحل: الحفظ، والتدبر، والعمل.
غير أنه عبادة جليلة، من العبادات التي يجتهد فيها المسلم في رمضان، بل هو أساس العبادات، إذ أن القرآن يطهر القلب، ويعين المسلم على قضاء صيامه في خشوع وتبتل، وينال الحسنات من قراءته للقرآن الكريم.
والمسلم حين يتمسك بسلاح القرآن الكريم، فإنه يجاهد نفسه ويعينها على التخلص مما شابها من الذنوب والمعاصي، فالمسلم ليس بحنكته أو بفطنته يتخلص من تلك المعاصي، بل بمجاهدة نفسه بالتمسك بالعبادة الصالحة، والصبر عليها، وتدبر القرآن واتباع تعاليم الله فيه.
والواجب على المسلم في أيام غير رمضان، أن يحافظ على ورد التلاوة على الأقل في القرآن الكريم، وإذا دخل رمضان عليه أن يجتهد أكثر في تعميق معرفته بالقرآن الكريم، والجلوس برفقته أطول وقت ممكن، وذلك بتحديد ثلاثة أوراد في اليوم: ورد التلاوة، وورد التدبر والتفكير، بالبحث في كتب التفسير، وأقوال الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وورد الحفظ، بأن يملأ قلبه بشيء من القرآن يتذكره إذا أقبل على الصلاة، أو أراد أن يشغل وقت فراغه بما يرضي الله ويعود عليه بالنفع والحسنات، والطمأنينة.
لا غرو أن كل ما كان في العصور الإسلامية السابقة قد فني بفناء أصحابها، ولم يتبقى لنا سوى سيرتهم الحسنة، وأخلاقهم الكريمة، إلى جانب القرآن الكريم، الذي حفظه الله بعنايته “سبحانه وتعالى” فيجب أن نجتهد في فهمه وتدبره وحفظه، وأن نجعله نورنا في شهر رمضان.