لم يبق إلا أيامًا معدودات ويحل علينا شهر رمضان المبارك، وتهل علينا بشائر الخيرات والبركة، أياما معدودات ويفيض علينا عطاء رب البرية بالخيرات في الدنيا والآخرة، فتمتلئ خزائن البيوت بالرزق الوفير، وتمتلئ خزائن الأعمال بالأجر الكبير، ففي رمضان يضاعف الرزق ويضاعف الأجر كذلك.
وحين يأخذنا الحديث إلى عوالم الشهر الفضيل وملامحه فلا بد أن يستوقفنا ملمح الصدقة والعطاء والجود حين يرتبط برمضان فيزيد فضله فضلًا وتزيد طلعته بهاءً وإشراقًا.
لأجل ذلك وأكثر سوف ينصب حديثنا على شهر رمضان والصدقة في رمضان، والكرم والجود ومنزلتهما في شهر الصيام وحث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على ذلك.
حض القرن الكريم والسنة المطهرة على الإكثار من الصدقة في رمضان
امتدح القرن الكريم المتصدقون الذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم، ووعدهم بالنجاة من عطش يوم القيامة وويلاته، وان صدقاتهم تلك سوف تقيهم شر يوم القيامة وعبوسه وقسوته، وحكى القرآن هذا المعنى فقال: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) إلى آخر الآيات………)، والتي يفصل فيها القرآن ألوان ومظاهر ما أعده من الثواب العظيم للصائمين المتصدقين في رمضان.
أما السنة النبوية فقد كان لها باع وقد ضمت الكثير من الآثار التي تربط بين الصيام والصدقة وبينت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس وأكرمهم وأنه كان أجود ما يكون في رمضان، كما تضمنت أحاديث عن فضل الصدقة حين تتزامن مع الصيام في رمضان مبينة عظمتها وثقلها، ومن بين تلك الآثار قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها؛ أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام).
لماذا تعد الصدقة من أهم العبادات في شهر الصيام؟
الصدقة لها ثقلها في ميزان حسنات العبد، وقد دلتنا على ذلك الكثير من الأثار الإسلامية، ومن ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله)، وفي هذا ما فيه من عظيم الأجر والثواب، وإذا كان هذا الثواب عام في الصدقة فهو في رمضان يكون مضاعفًا وأعظم بكثير، لأن الأعمال تعظم بعظم المناسبة وخصوصية الزمان.
بالإضافة إلى أهمية الصدقة في جبر ما يقع من النقص في الصيام، فقد يصوم المسلم ويقع في صومه نقص أو خلل لا يبطل الصيام ولكنه ينتقص من الاجر فيكون إخراج الصدقة تكملةً وتداركًا لهذا النقص.
الصدقة مع الصيام تعكس فهم المسلم لمقاصد الصيام وشعوره بحرمان الفقراء والمساكين وإخراج هذه المشاعر النبيلة من حيز التفكير والشعور فقط إلى حيز العمل والتطبيق، وتحويلها إلى طاعة ملموسة وتغيير حقيقي يحسن حال محتاج أو محروم، ويمسح الالم عن قلب بائس موجوع.
الصدقة ليست حكرًا على الأغنياء
الذين يسارعون في الخيرات ويبتغون فضل الله ونيل مرضاته يتلمسون سبل الطاعات والقربات ويسلكون منها ما تيسر لهم من المسالك، ويطرقون ما شاء الله لهم أن يطرقوا من الأبواب، فالصدقة التي حث عليها الإسلام وورد الكثير في بيان فضلها وعظمتها ليست صدقة كبيرة القيمة ولا باهظة التكلفة، ولم يجعلها الله حكرًا على المقتدرون والأثرياء، بل باستطاعة الفقير والمسكين أيضًا أن يزاحما الأثرياء في هذا الفضل، ويشاركاهم الأجر، ولو بشق تمرة.
لذلك فمن الفطنة والحرص على تحصيل الخير وإدراك الأجر أن يعود المسلم يديه على العطاء والصدق ولو بالقليل، ويتأكد هذا الأمر في شهر رمضان، فكم من صائم لا يجد ما يفطره، وكم من ظامئ لا يجد ما يسد رمقه، فالمجتمع حولنا ملئ بنماذج الفاقة والاحتياج التي لا تكاد تفصح عن احتياجها ولا تعلن مسألتها، ومليء بالنماذج التي افتضح فقرها وكشفت سوأة حرمانها رغمًا عنها، وصار المجتمع على مرأى ومسمع منها، فهنيئًا لمن عمد إلى حاجة فقضاها أو إلى نفس سائلة من الدنيا أبسط متاعها فأتاها سؤلها وحفظ عليها ماء وجهها، وهنيئًا لمن أبدل الله على يده حاجة عباده وجوعهم إلى اكتفاء وشبع،، هنيئًا لهم ما قدمت أيديهم، وما اكتسبوا من القربات في شهر القربات والصدقات والطاعات.