رمضان شهر التوبة النصوح

رمضان شهر التوبة النصوح

في شهر رمضان المبارح دومًا نقول، أن رمضان شهر التوبة النصوح والغفران من رب العالمين، فالإنسان في تعرّض دائم لوقوعه في الذنوب، وقد يكون يقع في ذنب يدمنه ولا يستطيع، بنفسه الضعيفة، أن يقلع عنه، وذلك لأن الدنيا تزين له هذا الذنب، ويدفعه الشيطان إليه دائمًا، ويجد اللذة في نفسه إذا أقبل عليه.

إن الذنوب، صغائرها وكبائرها، تثقل على الإنسان حياته، وتكدر صفوها، وتجعله يحس بالاشمئزاز من نفسه على الدوام، ويتمنى أن يتسنى له الفرصة لكي يرجع عن ذنبه، فالذنب يقتل القلب، ويغلفه بالسواد، ويجعله متكاسلًا عن العودة إلى الله، والاعتراف بالذنب، بل إن الإنسان إذا أسرف في ذنبه، فإنه يستكبر أن يتوب عنه، ويظن أن ما يفعله مبررًا، ولا يعود قلبه للخشوع إلى الله، ويستحيل فؤاده حجرًا، ولو أن الحجر نفسه يخشع أمام قدرة الله وعظمته “سبحانه وتعالى”

وشهر رمضان شهر الخير، أنزله الله على العباد وفرض فيه الصيام، وشهر رمضان هو الشهر الذي يُذهب فيه العبد سيئاته بالحسنات، ويمحي ذنوبه بالأعمال الصالحة، وجاء إلينا بفضائل كثيرة في جعبته، هي الغاية التي يجب أن يضعها المسلم نصب عينيه بمجرد حلول الشهر الكريم، وأن يعمل من أجلها، فالله جعل شهر رمضان شهر مغفرة الذنوب كلها، وشهر تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتصفد الشياطين، أي تسلسل، وتعتق فيه رقاب من النار، وذلك الفضل عظيم.

رمضان شهر الأمل لكل تائب

لذلك فإن شهر رمضان هو الأمل المنشود، الذي يتمناه المسلم، لا سيما الغارق في ذنبه، فهو يريد أن يستغله جيدًا حتى يقلع عن ذنبه، وتستحيل وحشة قلبه إيمانًا قويمًا، وتعود صفحته ناصعة البياض، لا تشوبها شائبة من ذنب أو نحوها.

وإن الكثير من المسلمين يخطئون حين يظنون أنه بمجرد حلول شهر رمضان ستحضر التوبة من السماء، وبمجرد إقباله على العبادة فإنه لن يعود إلى الذنب مجددًا. وذلك خطأ جسيم، فالذنب يحتاج إلى مجاهدة كبيرة للنفس، وصحيح أن كل سبل الطاعات تكون متفتحة في وجه المسلم، إلا أن نفسه دائمًا ما تثبطه أمام الاجتهاد في الطاعات وتحبطه عنها، لذلك يجب على المسلم أن يعد خطة محكمة في طريق توبته، متسلحًا بالفضائل التي منَّ الله بها على العباد في هذا الشهر الكريم.

وهنا: فضل العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل

إن الصعوبة في التوبة عن الذنب أن الإنسان يتعوده، ولكي ينهي الإنسان هذا التعود عليه أن يضع عادة جديدة مفيدة في مكان الذنب الذي يريد أن يقلع عنه، وتلك العادة الجديدة بعدما يأملها الإنسان، تتطلب أن يستمر عليها ولا يحيد عنها حتى تثبت في روتينه اليومي، وينسى الذنب القديم، ويتعود على العمل الصالح الجديد الذي وضعه.

فمثلًا: الذي يريد أن يقلع عن عادة التدخين، يضع مكانها عادة أخرى حسنة صالحة، كالتصدق مثلًا بنصف ثمن ما يدخن به في اليوم، وذلك بالتأكيد، ناهيك عن البركة التي ستعود عليه، تجعله ينسى التدخين بعد مرور ثلاثة أشهر، ويتعود التصدق.

والآن، أقول أن للتوبة النصوحة شروطًا يجب أن يضعها المقلع عن الذنب نصب عينيه ولا يحيد عنها، ويتسلح بالإرادة، ومجاهدة النفس حتى يلتزم بها:

  • أول تلك الشروط: هو الندم؛ أي الندم على فعل الذنب، ولا يكون الندم إلا بتذكر الآثار الجانبية التي عادت على الإنسان من فعل هذا الذنب، وما استحالت إليه حياته منذ أدمن هذا الذنب، والأضرار التي تؤثر عليه.
  • ثاني تلك الشروط: أن يقلع الإنسان عن الذنب، ويتوقف عنه؛ وهو قرار لابد أن ينبع في لحظة صحيحة، لحظة أدرك فيها الإنسان مدى الأضرار النفسية والبدنية والروحانية والاجتماعية التي أودعه الذنب فيها منذ ابتلي به.
  • ثالث تلك الشروط: هو الإصرار على عدم العودة إلى الذنب؛ وذلك بإعمال الإرادة داخل النفس، ومجاهدتها، والالتزام أمام الله بالكلمة والعمل، والنية الصالحة الخالصة لوجه الله “تعالى” للإقلاع عن هذا الذنب، والله هو خير معين.

تلك هي شروط التوبة النصوحة التي يجب أن يضعها المسلم في اعتباره، ولأجلها فإنه سوف يخوض مشوارًا مخططًا ومحسوبًا من بداية شهر رجب مرورًا بشهر شعبان، وانتهاءً بشهر رمضان، وهو الشهر الذي سيخرج منه وقد تحول قلبه من الوحشة إلى الإيمان، وتحولت نفسه من الذل للذنب إلى الخضوع لله والثقة في النفس والشجاعة في مواجهة أي ذنب آخر.

أولًا: الاستعداد: إن التائب لا يقلع عن ذنبه بين ليلة وضحاها، بل عليه أن يمرن نفسه على المجاهدة، والطاعة، والتزام الصلاة والأعمال الصالحة، حتى يتسنى له فرصة الإقلاع عن الذنب، ويتخلص منه نهائيًا، وذلك المران يأخذ فترة طويلة، إذا مر خلالها التائب بسلام دون أن يزل كثيرًا أو يسقط في أهواء نفسه، فإن القادم سيكون يسيرًا “إن شاء الله”

وذلك الاستعداد بالمران والتدرب يكون في الشهرين (رجب، وشعبان) فالإنسان فيهما يدرب نفسه على عدم الخوض مرة أخرى في الذنب، واضعًا شروط التوبة التي ذكرتها آنفًا نصب عينيه، ولا يحيد عنها قيد أنملة.

فالتائب في هذين الشهرين يتدرب على الصيام، والصيام يربيه على الصبر، الصبر على تحمل الجوع والعطش، والصبر على ترك المعصية، والصبر على الالتزام بالطاعة. ويبدأ في التدرج في الالتزام بالصلاة، ويقرأ وردًا قصيرًا كل يوم من القرآن ويزيده كل يوم بمقدار قليل عن اليوم الذي سبقه، ويحث نفسه على الطاعة والاجتهاد فيها بالأعمال الصالحة الأخرى، وألا يفقد حماسته، يجب أن يحافظ على حماسته، والحفاظ على الحماسة لا يكون إلا بالإصرار على ترك الذنب.

رمضان شهر التوبة النصوح

  • والتائب، وقد درب نفسه على عدم معاودة الذنب والإقلاع عنه والتزام الطاعات والعبادات الصالحة، إذا أتى شهر رمضان، فإنه يصومه إيمانًا واحتسابًا، والإيمان والتقوى يكون بالاجتهاد في العبادة، المغلفة بالنية الخالصة لوجه الله تعالى.
  • ففي الليلة الأولى من شهر رمضان ينوي التائب أن يكون هذا الشهر هو شهر الخلاص مما قد يشوب قلبه من الذنوب، وأن يجتهد حتى يرتقي بنفسه إلى منزلة المتقين، الحائزين على مغفرة الله، وجنته.
  • ومع دخول الليلة الأولى، يلتزم التائب بالصلاة المفروضة، ويزينها بالنوافل التي تقربه قربًا شديدًا من الله “سبحانه وتعالى” ويجتهد فيها حتى يصل إلى أعلى مرتبة في الخشوع، ولا ينسى أن يزين قلبه بالدعاء إلى الله “سبحانه وتعالى.
  • ويجب أن يجتهد أكثر في ورد القرآن الكريم، فيجب أن يتم ختمة واحدة على الأقل في شهر رمضان، وأتمنى لو يتم ختمة في العشرين يومًا الأولى، وختمة أخرى في العشر أيام الأخيرة، ويحرص أن يكون ورده من القراءة مقسمًا على ثلاثة أوراد، الورد الأول للقراءة، والورد الآخر للتدبر والفهم بمطالعة كتب التفسير وغيره، والورد الأخير للحفظ.
  • ولا ينسى التائب، أن الذكر يطمئن القلب، ويهديه السكينة والراحة، فبذكر الله تطمئن القلوب، هكذا أخبرنا الله، وهكذا يجب أن نخرج من رمضان تائبين غير عابئين بشيء سوى مرضاة الله “سبحانه وتعالى” دون غيره، وألا نعود للذنب الذي وقعنا في فخه مرة أخرى.
  • إذا حافظ التائب على هذه العبادات، وتلك الخطة في الإقلاع عن الذنب، وهي خطة تحتاج إلى اجتهاد كبير، وعدم مطاوعة النفس، فإنه يخرج من شهر رمضان وقد أصبحت صفحته بيضاء ناصعة البياض، لا تشوبها ذنب، فالله قد غفر الله ما تقدم من ذنبه، ومن يحصل على هذه المرتبة، ويهديه الله إليها، فإنه لن يعود إلى الذنب حتى لا تعكر الذنوب صفو صفحته البيضاء.

ما رأيك بقراءة: أتى شهر رمضان ضيف كريم

أضف تعليق

error: