في مُقدّمة حديثنا عن شهر رمضان المبارك، حيث التسامح والإحسان، فنبدأ بأحد المقولات الموروثة في أدبنا العربي “أكتب الإساءة على الرمال عسى ريح التسامح أن تمحيها، وننحت المعروف على الصخر حيث لا يمكن لأشد ريح أن تمحيه”.
شهر التسامح والإحسان
التسامح يحتاج لقوة نفسية وقلبية عالية ليستطيع العفو قلباً وقالباً وليس القول باللسان أنك تسامح فلان وفلان، فالخصام والتشاحن بين المسلمين يٌسعد الشيطان كثيراً، فإذا قُيد الشيطان بقيت لك نفسك الأمارة بالسوء لتقهرها، وأفضل شهر لتبدأ فيه هذه المعركة وتنتصر فيها على نفسك وشيطانها هو شهر رمضان الكريم، حيث تغلغل وتُسلسل فيه الشياطين.
شهرُ عظيم، لتبدأ مبادرتك بالتسامح والمغفرة لمن أساء إليك، كي يغفر الله لك ذنوبك، وكي تكون ممن قال عنهم المولى “عز وجل : “” وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [النور:٢٢].
فالتسامح خُلق يجب غرسه في أجيالنا منذ الصغر، فإذا تعلمه النشأ وأجادوه فيما بينهم، كبروا وهم سالمين القلب والعقل والنفس، فلا يوجد في القلب ما يكسره من تصرفات الأشخاص، لأنه تعلم التسامح، ولا يوجد في النفس ما يثير حقدها على غيرها، فقد روضها صاحبها على التسامح دون أن يبقى في النفس شيء، ولا يبق للعقل ما يشغله ويُلهيه عن ذكر الله وعن الاجتهاد في حياته الخاصة، فقد برمج عقله على التسامح وعدم التركيز في شئون الآخرين، واستثمار ذكائه الخاص لبناء حياة شخصية ناجحة، فقد قال “سبحانه وتعالى “ في كتابه الكريم (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:٤٠].
شهر رمضان
فإذا كان الإنسان طبعه التسامح، فسيأتي عليه رمضان ويغتنمه في الطاعات، أما إذا كان طبعه عدم التسامح فليغتنم رمضان في كسر النفس الأمارة بالسوء، وترويضها للعفو عن الذين أساءوا إليه، فهو بذلك يجاهد النفس ابتغاء مرضاة الله، وابتغاء السمو بنفسه.
ودعونا نرى التسامح في أسوتنا وقدوتنا الحسنة نبينا العظيم “صلى الله عله وسلم“.
فدعونا نتأمل قصّة النّبي مع الرّجل الذي أراد قتله، فقد روى جابر بن عبد الله قصّةً تدلّ على تسامح النّبي “عليه الصّلاة والسّلام”، ففي غزوة الرّقاع استراح النبي الكريم تحت شجرةٍ بعد أن علّق سيفه عليها، فاستغلّ رجلٌ من المشركين ذلك فباغت النّبي وأخذ سيفه على حين غرّة، ثمّ رفعه في وجه النّبي وهو يقول، أتخافني، فقال النّبي: لا، فقال الرّجل: “فمن يمنعك مني”، قال: الله، فسقط السّيف من يد الرّجل فأخذه النّبي الكريم ورفعه في وجه الرّجل وهو يقول من يمنعني منك، فقال الرّجل، كن خير آخذ، فلم يَفعل النّبي الكريم معه شيئاً وعفى عنه بعد أن تعهّد بأن لا يُقاتل المسلمين أو يقف مع قوم يقاتلونهم، فجاء قومه وهو يقول: (جئتكم من عند خير النّاس).
فإذا تأملنا القصة وطبقناها على واقعنا الحالي فأيهما أشد، رجلُ يسبك أو يُسيئ إليك بأي شكل من الأشكال، أم رجل يحاول قتلك؟ نحن نغضب ولا نغفر أبسط إساءة والنبي “صلى الله عليه وسلم“ يغفر لمن يريد قتله.
شهر رمضان شهر التخلي عن المعاصي والشهوات، شهر تروض فيه النفس الأمارة بالسوء، شهر تكثر فيه صلة الأرحام، ويُصلح فيه صلات الأرحام المقطوعة، وتُطهر فيه القلوب من المشاحنات، شهر المغفرة من رب العالمين وواجبنا أن يكون شهر المغفرة لعباد الرحمن الرحيم.