شهر رمضان شهر العبادات الخاصة التي تختلف عن بقية العام، شهر فرض فيه الصوم وسنت فيه صلوات خاصة، وصدقات خاصة، شهر تكمن خصوصيته في المنهج التربوي العظيم الذي يتمثل في طقوسه، فهو لا يزورنا كل عام لنتألم أو ليشق علينا في الصيام، ولا ليعذبنا أو يحرمنا من متع الحياة وملذاتها، ولكنه يزورنا ليرتقي بنا وبعزائمنا وإرادتنا، يزورنا في كل عام مرة ليطهر قلوبنا مما ران عليها، لنستفيق ونتعلم من دروس لحياة وعبرها ما يقوينا على الاستمرار نحو تحقيق واقع أفضل،، أفضل على المستوى الإنساني والإيماني والروحاني، وهنا سينصب الحديث حول درس تربوي وإنساني عظيم يجب أن نخرج به من شهر رمضان، وهو درس الشعور بالغير.
كيف يدربنا الصيام على الشعور بالأخر؟
رمضان شهر الصيام، والصيام هو نوع من الحرمان المؤقت من بعض احتياجات الإنسان الضرورية والتي على رأسها الطعام والشراب، وهذا الحرمان برغم قصره وكونه مؤقت ومحدد بوقت معين إلا انه أحيانا يشق علينا جدًا ويبلغ منا مبلغا عظيمًا، وقد نشعر بهذا الحرمان لمجرد رؤية المياه البارد، أو الطعام العادي، فنشعر أن قمة المتعة في تناوله، وقد يتسلط علينا هذا الشعور الكبير بالحرمان فنقع في فخ اتباع الهوى، فكم من صائم لم يقوى على إكمال صومه بسبب رغبة سقيمة في تناول شربة ماء أو غيرها.
وهذا الحرمان يجب أن يذكرنا بحرمان الفقراء والمساكين والجوعى الذين لا يكادون يملكون قوت يومهم، وما أكثرهم، وحاجتهم للطعام تفوق حاجتنا وطاقتهم التي يواجهون بها الحرمان أكبر مليون مرة من طاقتنا الضعيفة والواهنة.
ولو قارنا بين حرمان صائم من الأكل والشرب مع انتظار موعد شبه مؤكد ومضمون وهو موعد الفطر، وحرمان مسلم –أو غيره- من فقير أو يتيمٍ أو مشردٍ أو ضالٍ لا يملك أملًا ولا يعرف موعدًا لنهاية معاناته وحرمانه، ولا يراود عينيه أمل في سد جوعه، فشتان بين هذا وذاك، ولكن يظل القاسم المشترك هو مذاق الحرمان الذي يجد غصته الاثنين معًا.
ومن ثم فإن الصيام يعتبر خير تدريب على الشعور بمتاعب الآخرين واحتياجاتهم وآلامهم، وبالتالي انعكاس هذا الشعور على سلوكياتنا وعباداتنا وعلاقاتنا بالنعم ورازقنا بهذه النعم.
ثمرة الشعور بحرمان الآخرين
الشعور بالآخرين بصفة عامة هي مكرمة وفضيلة تترك أثارها الرائعة على المسلم، والتي من أهمها ما يلي:
• معرفة نعم الله عز وجل وتقديرها حق قدرها.
• الشكر على تلك النعم والحفاظ عليها.
• التخلص من السلوكيات الجائرة التي تتنافى مع الإنسانية ومبادئها، وعلى رأسها التبذير والتبديد، وإهدار نعم الله عز وجل علينا فيما لا يفيد، أو الانفاق فيما لا ينفع.
• يعلمنا الشعور بحرمان الآخرين أن نفكر كثيرًا قبل أن نسرف في الإنفاق، ويعلمنا أن نوجه نعم الله إلى ما يرضي الله، بدلًا من إهدارها.
• يعلمنا معاني التكافل والتعاون وتقديم يد العون للآخرين، ويعلمنا معاني العطاء أيضًا، فحين نشعر بحرمان الفقير يجب أن نتفاعل ونقدر هذا الحرمان، ثم نقدم يد العون المساعدة قدر المستطاع.
• حمد الله على النعمة وشكره عز وجل عليها بما يرضيه من الطرق.
• السخاء والكرم وحب العطاء من التوابع البديهية للشعور بالآخرين واحتياجاتهم، وهو السبيل إلى تخفيف معاناة كل محروم وفقير.
تحويل كل المعاني والقيم التي يعلمنا إياها الصوم إلى واقع عملي
رائع أن يتأمل المسلم حاله ويفهم مقاصد ما فترض عليه من عبادات، ورائع أن يلفت الصيام نظرنا إلى حجم النعيم الغارقين فيه، والمتع التي تطولها أيدينا بلا مشقة ولا عنت، ورائع كذلك أن نشعر بقيمة النعم ونعلم أن غيرنا محروم منها مفجوع بالعجز عن إدراكها، فقير بائس لا يملك إليه سبيلا، وعظيم أن نستشعر ألم الحاجة وغصة السؤال اللذان يذوقهما بعض الفقراء والمساكين، ولكن الأروع وأهم من كل ذلك أن نحول مشاعرنا وما نتعلمه من العبر والدروس إلى واقع عملي ملموس، فنسعى إلى شكر النعمة بالصدقة والشكر بالقول والفعل والاستغلال الأمثل لها فيما يرضي الله عز وجل، ونسعى بقدر ما في وسعنا من جهد لبذل العطاء وتخفيف ألم المعاناة والحرمان والاحتياج المدقع إلى الطعام أو الشراب بالتبرع أو الصدقات والدعوة إليها والحث عليها.