الصلاة هي عمود الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي آخر ما نفقده من ديننا؛ فإذا ذهب آخر هذا الدين فلن يبقى بعدها شيء. حيث يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «أول ما تفقدون من دِينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة».
وميزان الإيمان الذي يعرف المرء به إيمانه، وإذا أردت أن تعرف قدر الآخرة في قلبك؛ فانظر إلى تعاملك مع الصلاة.
وإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله -عز وجل- فانظر لمنزلة الصلاة في قلبك؛ فإن من وفق لهذه الصلاة والمحافظة عليها فإن ذلك من دلالة إيمانه، ومن دلالة محبته ربي -سبحانه وتعالى-.
ومن علامات محبة الله -جل وعلا- للعبد إذ وفَّقه للصلة.
وهذه الصلاة تجدد إيمان العبد؛ فإن المرء يحترق بالذنوب وتشغله في الدنيا، ويبدأ المرء يعمل فيها ويكدح، وربما سها، وربما انشغل عند ذكر الله -عز وجل-، وربما وقع بالمحرمات من صغائر الذنوب من نحو ذلك؛ فتأتي الصلاة مكفرة. ورسول الله ﷺ يقول «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر».
ويقول النبي عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات «تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا».
وهكذا؛ فالحمد لله على ما شرع لنا من هذه الصلاة لتكون طُهرَةً لنفوسنا، وصِلة لنا بربنا.
فالمرء إذا خرج من صلاته يشعر بتجديد إيمانه، وبالقرب من مولاه -سبحانه وتعالى-، ويشعر أنه نفض عن قلبه درن هذه الدنيا، فهي كالنهر الجاري الذي يغتسل به المرء والذي يتطهر به من أدران هذه الدنيا، من ذنوبها ومشاغلها، وأن يفكر كثيرًا لو كانت الصلوات دون ذلك لقست القلوب.
والمرء إن لم يكن له صلة بربه بمثل هذا القدر، على أقل تقدير، في يومه؛ فإنه تذهب به الدنيا كلّ مذهب.
وإذًا فإن الصلاة هي خير ما نستعين بها على طلب العلم، وما يستعين به المرء على مكابدة الدنيا ومشاقها وما يحلّ منها. فقد قال -تعالى- {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
هذه الصلاة إذا تلذذنا بها، نسينا كل شيء.
ولذلك؛ يُروى عن ثابت البناني -رحمه الله- أنه جاهد نفسه في هذه الصلاة، وعلى حصول لذتها.
قال: جاهدت الصلاة ٢٠ سنة، ثم تلذذت بها ٢٠ أُخرى. حتى كان من دعائه أنه يقول: اللهم إن كنت تعطي أحدًا الصلاة في قبره، فارزقني الصلاة في قبري.
فهذه الصلاة أيها الإخوة إذا أقمناها على الوجه الذي أمر الله جل وعلا به وشعرنا بلذتها، فإن المرء تحمله هذه اللذة على المحافظة عليها، فتجد أنه ينبعث من فراشه لأجلها.
ولذا، ذكر -سبحانه وتعالى- عن كُمَّل العباد، أنهم {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}.
أرأيت أنك إذا كنت مشتاقًا إلى شيء تفكر فيه، تستيقظ من نومك في كل برهة، وبعد كل حين، لأنك تشتاق إلى ذلك الأمر الذي بين يديك.
هكذا الصلاة؛ إذا كان المرء مهتمًا لها، محبًا لهذه الصلاة، واجدًا لطعمها ولذتها؛ فإن نفسه تشتاق إليها.