إهدار الوقت وتضييعه بلا فائدة لا يقتصر فقط على ترك الساعات تمضي بلا عمل ولا تحقيق نفع، أو تضييعه في الكسل والتسويف فقط، بل يشمل صورا أخرى متعددة منها مثلا أن تقدم المهم على الأهم، أو تركز على الكماليات والنوافل وتترك الأساسيات، أو تشغل وقتك بالمهمات الثانوية وتؤجل المهمات الرئيسية التي يجب عليك إنجازها والوفاء بها.
ومن ثم فإن إدارة الوقت بما يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة منه هو عين الذكاء، وعامل النجاح الأول، وسبيل التميز المؤكد، وهنا دعوة متجددة للتركيز على أوليات منصبك أو مسئولياتك، وجعلها على قائمة الاهتمامات وفي صدارة نشاطك اليومي، ولتجعل هذا التوجه يبدأ مع أول أيام العام الجديد، وتقيم حصادك لهذا التوجه الرائع مع آخر العام بإذن الله!
واعلم أن تضييع مسئولياتك الأساسية في المرحلة العمرية التي تمر بها حالياً، لن يعوضه تحقيق أي نجاحات ثانوية، فالتخطيط الجيد يقتضي أن تقوم بواجباتك على الوجه الأمثل ثم تتجه بعد ذلك للاهتمامات الثانوية، اعلم أيضا أن نجاحك في مهمتك الأساسية سوف يمنحك حالة رائعة من الرضا عن نفسك، وتحقيق تميز فيها يمنحك مزيداً من الثقة والتألق، وثق أنك سوف تجني ثمار تركيزك على تلك المهمات طيبة مباركا فيها.
فإذا كنت طالباً
فاعلم أنك في أهم مرحلة في حياتك، وأنها المرحلة التي تحدد شكل مستقبلك، ومصيرك على كل المستويات، العمل الذي تتولاه، والسكن الذي تقطنه، والطبقة الاجتماعية التي تنتسب إليها وتصنف ضمنها، واختيارك لشريك الحياة، والمستوى المادي الذي تعيش فيه، ونوعية المعارف والصداقات التي تشاركك رحلة المستقبل، كل هذا وأكثر متوقف على مرحلة الدراسة وما تنتهي إليه، فقدرنا في هذه البلد أن نقضي في الدراسة نصف العمر لنحقق ما نريده في النصف الآخر!
ابدأ مع بداية العام الجديد وقرر أن تؤجل اهتماماتك الثانوية وأفكارك الشبابية إلى وقتها، وركز فقط على دراستك ومذاكرتك، ضع كل طاقتك فيها وصب جم اهتمامك عليها، فهي وسيلتك لتحديد ملامح الغد.
وإذا كنت موظفاً أو صاحب عمل
فلتعطي عملك حقه، وكامل وقته لا تنقص منه شيئا، اجتهد وطور مهاراتك حاول أن تحقق تميزا يليق بك، تعلم كل جديد في صنعتك أو عملك ولا ترضى بالدون، عملك وانتاجيتك هو وسيلتك للارتقاء بنوعية حياتك وجودة معيشتك أنت وعائلتك، فاتق الله فيه واخلص النية، ومهما كانت محدودية العائد فاعلم أن اتقانك وتميزك فيه سيفتح لك أبواب الرزق على مصراعيها، وأن البركة ستحل في مالك وعيالك وصحتك، لا تعامل الناس أو المؤسسة التي تعمل لصالحها على قدر أجورهم بل عامل الله وكن على قدر عطائه وكرمه، اتقن عملك وسل الله الأجر فما عند الله خير.
تخلى عن كل أساليب المراوغة أو التدليس في العمل وليكن عامك الجديد نقطة بداية لاستراتيجية جديدة تتبناها في عملك! وهي أن تعمل لله ثم لنفسك!
أمّا إذا كنتِ زوجة وأمّاً
فاعلمي أن المسئولية الملقاة على عاتقك لا تقل عن مسئولية أكبر مسئول في الدولة، بل تكاد تفوقها فمسئوليتك أكبر من مسئولية الطبيب والمعلم والمهندس والعامل والحاكم ، لأنكِ تقريبا تقومين بكل هذه المسئوليات وربما أكثر.
فمعنى أنك زوجة وأم أنك المسئولة عن سلامة كيان أسري كامل، فأنتِ عون زوجك والداعم له في كفاحه لأجل البيت والأبناء، وأنت المربية والمعلمة والطبيبة والموجهة لأبنائكِ، الراعية لصحتهم النفسية والجسدية، والعامل الأساسي في تشكيل سلوكياتهم وتكوين شخصياتهم!
دورك كأم دور عظيم ومسئولية كبيرة لا يُستهان بها، فإذا تاقت نفسك لتحقيق بعض المتع الشخصية أو الأهداف الخاصة فاحذري أن يكون ذلك على حساب بيتك وأبنائك، اجعليهم في مقدمة الاهتمامات وعلى رأس قائمة الأولويات.
ابدئي مع بداية السنة لجديدة، وحاولي تدارك ما صدر عنك من تقصير في حقوقهم، ضعي كل طاقاتك وابداعاتك في هدف الارتقاء بأبنائك والوصول بهم إلى بر الأمان، فوالله هذا عمل تتقاضين أجره ليس بعد سنين من التعب والمشقة كما يظن البعض، بل تتقاضينه فورا وبعد كل مهمة تنجزيها، فرؤيتك لأبنائك وهم يكبرن أمام عينيك أصحاء اسوياء ناجحين هو أجر تتقاضيه كل لحظة، ونجاهم في الدراسة كل عام أجر، ونجاحهم في فهم الحياة وقدرتهم على التعامل السليم مع مجريات الأحداث وتقلبات الأحوال هو أيضا أجر! ما أعظمه من أجر!