«إيمان» تسأل: أود أن احكي لكم عن قصتي أو لأقول ورطتي؛ راجية منكم المشورة العاجلة، فالأمور تجري بسرعة والبشائر لا تطمئن. فذات يوم وبعد المغيب وفي جلسة السمر العائلية، شق أسماعنا صوت جرس الباب استغربنا من الطارق وما زاد من استغرابنا أنها شخصية نسائية؟ ولم يطل بنا التعجب حتى اكتشفنا أنها خاطبة تبحث لأبنها عن عروس! حسنا أظن أن أمي قد حفظت الدرس واعتادت على استقبالهم، ولكن قد وجدت العكس..
فعندما كنت أرقبها من فتحة حجرة المعيشة كانت مصفرة الوجه خانقة من الزائرة الغريبة.. والمفاجأة المخبئة هذه المرة.. في الواقع دائما ما أشفق على أمي فهي رقيقة المشاعر جدا وليس لديها أي قدرة على تحمل أي أحداث مفاجئة؛ فقد اعتادت طوال عمرها على الوتيرة الهادئة فلا أحداث ولا إزعاجات إلا ما يطرق بابنا من الخطاب الأكارم.
على كل لنرجع لقصتنا فقد كانت هذه المرأة تملك من مهارة الحديث والإقناع ما يستغرب له المرء.. في البداية أخذت تثني على ابنها وأن لديه مسكنه أو فيلته الخاصة وهي عبارة عن أرض واسعة تتوسطها فليتان واحدة لها وأخرى له.. وأخذت تذكر لنا عن معارفها وهم من أرقى عائلات البلد.. وفلانه صديقتي وفلانه حبيبتي.. وقالت لأمي أنها تريد الفتاة ذات الأصل والفصل وكنا نحن خيارها الأفضل. فلنأتي إذن للعريس.. جاءت بالخبر المتعلق بالعريس وطبعا جاء الخبر منها أنه طبيعي ولا يوجد به أي غضاضة.. ألم أخبركم عن سحر كلامها!!
وكان الخبر أنه مطلق وكانت مدة الزيجة عشر سنوات كاملة، وكان سبب الطلاق لعدم مقدرة مطلقته على الإنجاب.. وذكرت أنها لازالت حبيبتها وأنها كانت تأخذها بالأحضان وكانت بمثابة أمها الحنون، ولكن كانت تريد أن ترى أبناء فلذة كبدها، وكانت تخبرنا بمعلومات غير مقنعة أو غير مفهومة..
فتارة تقول أنها كانت تستطيع الحمل ولكن لا يبقى طويلا في الرحم حتى يسقط.. وتارة تخبرنا أنهم لجأوا إلي الحمل بطفل الأنابيب.. أليس ذلك غريبا؟ شيء آخر كان هو يشيع عن نفسه أنه كاتب صحفي وله محاولات قصصية من النوع المحترف وقد قرأتها فعلا.. ولكن ما وجدته بعد ذلك أنه لا يستطيع حتى تكوين جمله بسيطة بدون أخطاء نحوية أو إملائية ناهيك عن الكتابة الأدبية..
هذا الشيء قد صدمني جدا واتضح لي أنه به بوادر كذب لا يمكن تجاهلها.. فكيف استطيع أن اثق أنه لا يكذب في موضوع سبب الطلاق؟ وشيء آخر وصلنا من سؤالنا عنهم وهو أن أقرب معارف هذه العائلة وأهل مطلقته نصحونا بالابتعاد عن هذه الزيجة وأن والدته- والتي أخبرتنا عن حبها الشديد لكنتها الأولى -أنها كانت أحد أسباب طلاقها، إذ كانت سيئة في معاملتها.. ناهيك عما وصل إلينا أنها ذات علاقة سيئة أو مقطوعه أصلا بكنتها من ابنها الآخر.. وابنها هذا صلته غير جيده بأمه لجبروتها، وكان قد تزوج بدون علمها..
أرأيتم كل هذه البشائر؟ وفي خضم هذا الأمر كانت تسحبنا بحلو منطقها وحديثها.. وبكلامها أنني قد دخلت قلبها من أوسع أبوابه، وأنها ستعيشني ملكة متوجه حتى أنها طلبت مني ألا افكر حتى في تحضير وجبة لأبنها.. فهي من ستعمل على راحتنا وطهو ما نرغبه.. ولي كامل الحق في العمل وقيادة السيارة والخروج والدخول متى يحلو لي ذلك..
والحياة جميلة ولا يبدو بها أي ظاهر سيئ.. ولكن الطامة كما اخبرتكم أن جيرانها وأقربائها الشديدون حذرونا من دخول هذه المعمعة. وأما حقيقة الورطة أنهم قد نسبوا منهم إليهم موافقتنا الضمنية على الخطبة حتى أشعرونا بكثير من الشعور بالذنب والخوف من جرح مشاعرهم..
ومع ذلك كنا قد أبدينا رفضنا للخطبة في خضم كل هذه التسهيلات والمغريات.. ولكن والدته قد ارجعت الموضوع بسحر ساحر أو بماذا لا أدري.. أما عن الوضع الآن فنحن في موقف الرفض، ولكن لازلنا لم ننقل لهم الخبر..
وأما عن وضع أهل الخاطب فهم في موقف المستعد لإنهاء كل إجراءات الخطبة وليس لديهم أدني شك برفضنا. أما عن الظروف المحيطة بشخصيات القصة هو أني فتاة في أواسط سنواتي العشرون.. احلم بتكوين عش زوجية بأبسط الإمكانيات مع شخص لم يخض تجربة قد تكون حملت في شخصيته وطبائعه من الصفات السلبية أكثرها، أو حتى شخص لا احمل له كل هذه الريبة والخوف، وهذا غير أني قد اكتشفت عدم وجود أي توافق فكري بيننا. أما عن عمره فهو يقارب الأربعين.. فبيننا اثنتا عشر سنة تقريبا..
أصارحكم أنني أحيانا افكر كيف فتحت الموضوع أصلا ولأي مميزات؟! ولكن كل ذلك كان يحدث خارج سيطرتنا.. إذ كانت ديدنة والدته أنها تطرق الباب بدون أخذ إذن مسبق، وفرضت خطبتها شئنا أم أبينا.
فما الحل ارشدوني؟ بين ما يظهروه لنا من حسن نيه وما نسمع عنه من سوء دخيله وتصرف وريبه؟ ما الحل وكيف هو السبيل الأمثل للرفض مع من تعشم فينا في قبوله؟
الإجابـة
ابنتي.. لماذا لم تبلغوهم بالرفض بطريقة لطيفة ومهذبة وحاسمة؟ نظرت عشر مرات إلى عنوانك فوجدته أستراليا ولكن أظن أن هذا ليس حقيقيا.. أي أنك اخترت أي بلد والسلام.
فليس من الطبيعي في البلاد المتحضرة أن يدخل أحد أي بيت بدون استئذان وموعد سابق.. وهذا هو ديننا وفي سورة من أجمل سور القرآن قال جل وعلا “لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا (تستأذنوا) وتسلموا على أهلها”.. ثم “وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا”.
ولكن في بلادنا العربية مازلنا نشعر بالحرج أن نرفض استقبال شخص “طبّ علينا بدون مناسبة وبدون استئذان وبدون سابق معرفة”.
هل والدك متوفى؟ ألك إخوة ذكور؟ هم من يقومون بالاعتذار والإبلاغ عنكم.
ابنتي.. سنك في أواسط العشرين فما الذي يجعلك عينا في الجنة وعينا في النار؟
أي لماذا أرسلت السؤال إلينا أساسا؟ ولقد ذكرت من مساوئ هذا الخاطب وأمه ما يجعل أرملة في الخمسين قبيحة ووحيدة ترفضه ولو وزنها ذهبا.
هل بعد الكذب والنصب عيب لنستشير؟ ألم يقل لك أو تقل لك أمه بأنه كاتب روائي.. ثم استمعت بأذنك إلى لغة ركيكة وأخطاء فادحة؟
ألم تدخل أمه بالحنجل والمنجل وبأن مطلقته حبة قلبها ونور عينها التي تأخذها في حضنها لتهدهدها بحبها وحنانها، ثم قامت المطلقة بنفسها وقام أهلها بنصحكم بالابتعاد عن هذه المرأة ونسبها لأنها كانت أحد أسباب الطلاق؟
ثم كل من قابلته نصحك بالابتعاد عن النسب.. هل انتظرت منا أن نقول لك كلاما مختلفا؟؟
قرار الزواج قرارك وحدك.. لأنك أنت من ستعيش مع هذا الرجل ومع أمه.. في فيلا أو في شقة أو في بلدين مختلفين.. لا فارق.. فلا يستغني أحد عن أمه، خصوصا إذا كان عمره أربعين سنة ومازال يحتاجها لتفرض نفسها على البيوت فتختار له زوجته.. بل تستعمل سيف الحياء -وهو بالمناسبة حرام- في إحراجكم لإتمام الزيجة.
وهل أنتم أسرة مسلوبة الإرادة؟.. هي تتعشم براحتها، وأنتم لكم حرية القرار.
ذكرني تساؤلك عن عشمها بشحاذة “سئيلة” تقف في إحدى الإشارات تمد يدا محروقة في عيني من شباك السيارة وتقول: والنبي ما تكسفيني يا حاجة دا أنت شكلك متقي وبتاع ربنا.. إحراج وعشم وإرهاب فكري وإن لم أعطها فلا أنا متقية ولا بتاعة ربنا.. وطبعا ولا مليم أحمر ولا التفت حتى.
أنا أخذت من كلامك أن هذه المرأة وابنها بل عائلتها كلها عبارة عن مشاكل وضغوط وتحكم وسيطرة متحركة.. هذا ما قلته عنهم…
وأخذت أن الاستشارة الحقيقية للأهل والجيران الذين يعرفونهم أكدت أن البعد عنهم مكسب وغنيمة.. فماذا تنتظرين منا على مسافة ملايين الكيلومترات؟!
ويمكنك الاستزادة من خلال قراءة التالي:
- ↵ هل أعتذر عن خطوبة لم أر فيها المخطوبة بشكل جيد؟
- ↵ كيف تتعامل الفتاة مع الخاطب قبل وبعد الخطبة؟
- ↵ هل أكمل علاقتي مع شاب تعرفت عليه عبر الإنترنت؟
- ↵ كيف أغير انطباع خطيبتي السلبي عني؟
⇐ أجابتها: د. نعمت عوض الله