الإنسان يمر في حياته بعدة مراحل من التغير، أحيانا تكون تغيرات إيجابية وأخرى سلبية، وإذا نظرنا لسلوكياته في الطفولة وطرق تعامله مع الآخرين سنلاحظ أنها كانت في غاية المثالية؛ فالأطفال لا يعرفون التمييز ولا الطبقية، ولا يحملون في أذهانهم معايير مادية، أو حسابات وأحكاما مسبقة، قلوبهم النقية تغطيها الرقة وتحكمها العفوية والبساطة، لا يعرفون الكذب والخداع.
لهذا نشعر بين وقت وآخر بالحنين إلى طفولتنا ونشتاق للماضي الذي نسميه ماضي البراءة؛ لأننا فقدنا جمال الروح الذي كان يلفنا، رغم هذا فالأطفال يتغيرون ويتأثرون ونحن السبب في تحول أفكارهم وتبديلها.
فالمجتمع الذي يعيشون فيه، مجتمع الأسرة أولا، ثم مجتمع المدرسة ثانيا، فالمجتمع الكبير ثالثا، هي التي تغير قلوب الأطفال وتجعلها نسخة مكررة منا نحن الكبار.
انظروا للطفل الفقير الذي كان في أعوامه الأولى سعيدا أيما سعادة، حوله الأطفال يلعبون معه بعفوية ويعطونه دون حساب مما معهم من الطعام والألعاب، حتى إنه لم يشعر بالنقص والدونية أو حتى بالجوع والحاجة ولم يدرك أنه أقل منهم، بل كان يعتبر نفسه فردا في مجموعتهم، لأن الأطفال الآخرين لم يشعروا بوجود فارق بينهم وبينه، فقد كانوا متساوين ويتقبلون بعضهم كما هم، ولا حاجة إلى التلون والتغير.
ويوما بعد يوم يكبر الأصدقاء، ومن الطبيعي أن يلاحظ الطفل الفقير أنهم ينسحبون تدريجيا من صحبته، حتى صار وحيدا في لحظة من لحظات أيامه، وقد فهم أنه بات لا يطابق معاييرهم الجديدة التي تعلموها من محيطهم فقد صار لأطفال الأمس ورجال اليوم حساباتهم الخاصة عند اختيار الرفقة، القلوب البيضاء تلونت وأصبحت تمارس الاحتقار والتهميش للآخرين والقضية أكبر عندما تمارس المجتمعات بأسرها تجاهل مطبق لحاجة الضعفاء، فحول العالم يموت الأطفال جوعا وبردا وعنفا، ولا نهتم فنحن نعيش في قوقعة المادة، نقتل إنسانيتنا دقيقة بعد دقيقة؛ لأننا سمحنا منذ زمن بعيد للأخلاق الفاسدة بالتطفل على قلوبنا.
راجع أرشيف حياتك واحسب كم مرة ابتسمت في وجه شخص لا تحتاج منه إلى أي شيء أو قدمت جميلا لشخص لا تعرفه؟!
بقلم: بشاير آل زايد