خسائر كثيرة منينا بها، وفرصًا عظيمة فاتنا اغتنامها فقط بسبب عدم وعينا بقيمة الوقت وعدم تقديرنا التقدير الصحيح لسرعة مروره، وعدم فهمنا للعلة الأساسية التي من أجلها منحنا الحياة وأهدانا القدر بعض السنوات، وهنا نحب لفت الانتباه إلى أهمية التوقف عن عشوائية التقدير، وإعادة النظر في تقييم الحياة وتقدير تلك المنحة العظيمة.
الدنيا دار ممر وليست دار قرار، مهما طالت فهي حتما إلى زوال، وأيام العمر وسنواته هي هدايا الله للعباد فإما أن يحسنوا استغلالها أو يسيئوا استغلالها ويهدروا بركتها، أو يتركونها تمر هباء فيما لا يجدي ولا يفيد.
ومن هنا نوجه دعوة حقيقية لاستثمار أعمارنا على الوجه الأمثل، وإنفاقها على الوجه الذي يرضي الله عنا ويجعلنا نفوز بنعيم الدنيا والآخرة، ليكن لنا مع بداية عام 2023 وقفة، فلنعقد العزم على اغتنام ساعاته وعدم إهدار أيامه ولياليه إلا فيما يضيف إلى رصيد أعمالنا ونجاحاتنا وانجازاتنا، ويقربنا من الله سبحانه وتعالى.
وكيف لا نفعل ونحن أمة تُسأل أول ما تُسأل عن أعمارها، وأيامها، وتحاسب على ما أضاعت فيه العمر؟
ما معنى أن يهديك الله سنة كاملة؟
يقول الإمام الشافعي-رضي الله عنه وأرضاه: (رأيت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرص أحدكم على ديناره ودرهمه) فهؤلاء أناس عرفوا قيمة الوقت وأهميته فحرصوا عليه أشد من حرصنا نحن على تحصيل المال وتحقيق الثراء، لكن ما معنى أو أهمية أن يمن الله عليك بعام كامل؟
إن الله إذ يمنحك يوما واحدا في هذه الحياة فإنما يمنحك فرصة جديدة، يمكن أن تكون فارقة في مصيرك، ففي يوم واحد يمكنك أن تتصدق بصدقة جارية، يظل خيرها وبركتها يتنزل عليك حتى بعد موتك وانقطاع عملك، في يوم واحد يمكنك أن تصوم لله وتعطش نفسك مخلصا له وحده، فيقيك الله بفضله عطش يوم القيامة، ويوم واحد يمكنك فيه أن تجبر خاطر محتاج أو مكروب أو مهموم، فيجبر الله بها خاطرك ويدفع عنك بفضله شر ما لا تطيق.
أما أن يهبك الله عاما كاملاً فهذا يعني أن الله يهديك 365 يوماً، يعني 365 فرصة لتجديد التوبة، ونية العودة إلى الله، و365 فرصة للاستغفار وقيام الليل وصوم النها وإخراج ما يحلو من الصدقات، و 365 فرصة لزيارة مريض وتقديم العون لمحتاج وصلة رحم انقطعت من سنين، و365 فرصة جديدة لبداية جديدة تصحيح فيها خطأ قائم، وتغيير وضع يحتاج للتغيير، وتصحيح مسار يحتاج للتصحيح.
إن منحة الله للإنسان بمد أجله عام هي منحة عظيمة لو عرف قدرها حقا لتشبث بها ولتمسك بها وأحسن استغلال كل لحظة فيها، وللأسف لا تدرك قيمتها وعظمتها إلا عند فوات الأوان، عندما يقف العبد بين يدي الله، فيرى تقصيره ويعرف قيمة ما فاته، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ | لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
ليس ذلك فحسب فإن إعطائك عاماً كاملا من الله يعني مزيدا من الحجة عليك يوم القيامة، ومزيدا من الأسئلة وتطويلا في الحساب.
فعام جديد يعني مزيدا من الاختبارات والابتلاءات في دنياك وحالك ومالك ودينك، ومزيدا من الفتن والمحن، ومزيدا من الاحتكاك بينك وبين الخلق، ومزيد من الصراعات والاختيارات القاسية، ومزيد من المسئوليات التي تلقى عل عاتقك، ومزيدا من التفاصيل التي تعج بها أيامك.
استعد للعام الجديد 2023
ونحن على اعتاب عام جديد، عام 2023 نسأل الله أن يجعل كل أيامه خير ويسعدنا فيه، يجب أن تقف ونجدد النية ألا نتركه يضيع هباء كما مضى غيره، وألا نفرط في لحظاته وساعاته أبدا وأن نحسن ضيافته كما نحسن ضيافة من نعلم أنهم راحلون ولن يعودوا أبدا.
إنها دعوة إلى أن نعيد حسابتنا ولا نسمح لأنفسنا بمزيد من الخسائر، وبحسبنا ما ضاع، أحسنوا إلى أنفسكم فإنكم لا تعلمون ربما تكون هذه الهدية الأخيرة لنا، أحسنوا أنفسكم قبل أن يفت الأوان ونتحسر على ما كان يوم لا يجدي الندم، لا تشفع لنا الحسرة، أوشك 2023 عل القدوم فهنيئا لمن يعمر أوقاته بالطاعة ويغتنم ساعاته فيما ينفعه في الدنيا الآخرة.