إن الوقت الذي يموت فيه إنسانًا، وتنطفئ جذوته، ويخبو دوره في تعمير الأرض وتنميتها، يولد فيه عشرة أطفال غيره، في قلوبهم، وابتسامتهم الصغيرة، وبكائهم الحماسي، الأمل الكبير الذي سيتحول فيما بعد إلى اجتهاد وشغف وهدف سامي، يساهم في رفعة المجتمع وتقدمه، وحمايته.
إن الأطفال كالوردة الصغيرة التي هي في طور النمو، تحتاج إلى الكثير من الرعاية، والتعرض لضوء الشمس المنعش، حتى يتكتمل نموها، وتعطينا المنافع الكثيرة التي نحيا بها ونتنفس منها.
وكما الوردة تحتاج إلى كثير من الرعاية، فإن الأطفال يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام حتى ينشأوا على الأخلاق الفضيلة، والإبداع، والمواهب الفنية والعلمية الجليلة، والتي تعود على المجتمع في النهاية بالرفعة والتقدم والرقي والتحضر.
أهمية الأطفال للمجتمع
كما قلت أنه كلما مات إنسان في المجتمع يولد في مقابله عشرة أطفال، وهؤلاء الأطفال يومًا ما سيكبرون ويصبحون شبانًا قادرين على التفكير، وناضجين كفاية ليتحملوا مسئولية المجتمع، فإما يساهموا في رقيه ورفعته وتقدمه، وبناء حضارة عالية، وإما يساهموا في انحداره وهدمه، وجعله أنقاضًا ورفاتًا.
وكل ذلك يرجع في المقام الأول إلى الطرق التي نسلكها في تربية ذلك الشاب من طفولته، فإذا اهتممنا به وبمواهبه وآرائه، واحترمنا رغباته وشغفه، واستطعنا أن ننشئه في بيئة يسودها المحبة والتعاون والتكاتف والأخلاق الحميدة، فذلك سيرجع إلى المجتمع بالمنافع والتقدم والرقي والتطور.
وإذا ما راعيناه وطورنا مواهبه، واهتممنا بآرائه، وتجاهلنا اتجاهاته وشغفه، وقومنا تفكيره، وأنشاناه على الدين الصحيح، إذا لم نفعل ذلك كله، فغنه سينضج فاسدًا، في قلبه الكثير من العقد النفسية، والتي ستؤدي بدورها إلى تدمير المجتمع وانحدار مستوى أفراده، وجعل الحضارة أنقاضًا.
درو الأسرة في رعاية الأطفال وتنمية مواهبهم
- تحديد النسل: نحن نرى الآن في العصر الحالي، الذي يخوضه الكثير من مظاهر التخلف، والفهم الخاطئ لبعض القواعد، أن كثير من الأسر تتكاثر بشكل كبير، ثم يتركون أطفالهم يهيمون على وجوههم لا يلوون على شيء، ولا يهتمون بتربيتهم أو تعليمهم، إنما كل ما يشغلهم، هو التركيز على إنجاب طفلًا جديدًا يضيفوه إلى الأسرة.
وهناك أسر يرزقها الله في الإنجاب بالبنات دون البنين، فتستمر في الإنجاب طمعًا في إنجاب الولد، والله يعلم أمقسوم لهم إنجاب الولد أم لا، وفي الغالب أنه لا يُرزقون بالولد لأن العناد الذي يكنه البشر لأنفسهم لا يحبه الله “سبحانه وتعالى”.
كل تلك المظاهر من مظاهر التخلف والجهل التي يجب أن نبتعد عنها، ونبدأ في النظر إلى الأمور نظرة عقلية منطقية؛ والمنطق يتطلب أن يحدد الإنسان نسله، فالله يرزقه ما يشاء، يكفيه طفلين أو ثلاثة، يستطيع أن يتحملهم، ويعمل على رعايتهم وتربيتهم والاهتمام بهم، حتى لا ينشأوا جاحدين على آبائهم، بل ينشأوا على الوجهة الصحيحة، والتربية القويمة، والعقلية الناضجة المنطقية، ويكون لهم دورًا في رفعة المجتمع ورقيه وتقدمه.
- الحذر من التكنولوجيا المضرة: إننا نرى الآن، في غمرة التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي، أن الأب أو الأم إذا أرادوا أن يتخلصوا من بكاء أطفالهم، يلهونهم في العروض الكرتونية، أو القنوات التي تعرض أغاني تجذب انتباههم، ويتركونهم، وينشغلون هم بأمور أخرى يرون أنها أهم من بكاء أطفالهم.
وهذا خطر كبير، تلك التكنولوجيا غير أنها مضرة على صحة الطفل، هي مضرة بشكل أساسي على عقله، فمن يدري إن كانت تلك الأفكار التي يشاهدها وينشأ عليها أهي صحيحة أم خاطئة؟! ومن يدري لعله يتخذ هذه العروض يومًا ما امه وأبوه ولا يعترف لأمه أو لأبيه بالفضل حين يكبر وينضج.
غير أن هذه التكنولوجيا تخلق الطفل وحيدًا متوحدًا، وتدفعه على الانطواء بعيدًا عن أهله، وكبت رغباته وإبداعاته ومواهبه التي يمكن أن يفعلها بيده وتفكير عقله الخالص.
الطفل في صغره يكون في قمة العبقرية والإبداع، عقله صافيًا لا يشوبه شائبة، ويجب علينا أن نقوم هذه العبقرية وننشئها في الاتجاه الصحيح، ولذلك علينا أولًا أن نبعده عن وسائل التكنولوجيا المضرة.
- تعليمه الالتزام بدينه: إن الطفل في طور نشأته العقلية تشغله الكثير من الأسئلة، والتي يتحرج منها الآباء أو يتهربون منها، والطفل يظل مختزنها في داخله.
من تلك الأسئلة: السؤال عن ماهية الله والدين، وكل شيء يرانا نتكلم به بثقة ولا يفهمه هو من نحو: (لو كذبت ربنا هيزعل منك)، لكنه لا يدرك من هو الله، وحين يسأل عنه يبتعد عنه الآباء ويتهربون منه، وبذلك يعيش الطفل حياته، ويكبر وينضج، وهو لا يعرف ماهية الله الحقيقية، ولا يعرف شيئًا عن دينه.
ولو افترضنا أنه نشأ متدينًا يصلي، فإنه في الغالب يصلي من أجل أن يرضي والديه، ولكنه لا يعرف أيضًا ماهيّة الصلاة، أو لماذا يصلي؟ أو لا يدري من هو الله حتى يخاف منه.
وهنا ينبع واجب الآباء، لابد أن يتسلحوا بالمعرفة الكاملة حول أساسيات الدين وأصوله، وينظروا فيها نظرة الفاهم المتأمل، حتى يتسنى لهم الفرصة في محاورة أطفالهم واطلاعهم على ماهية الله الحقيقية التي يرضى بها عقلهم، ويؤدون فروضهم، ويجتنبون الشرور، ويقبلون على الخير باقتناع تام، وليس مجرد تقليد أعمى يخبو مع الزمن.
- إدراجه في النشاطات الإبداعية: كما قلت فإن الطفل يكون مشحونًا بكمية كبيرة من الطاقة في داخله، يختزنها، ويريد دائمًا أن يفرغها بعبقرية وتفكير.
وعلى الآباء أن يدركوا ذلك جيدًا، وعليهم أيضًا أن يساهموا في تنمية عقل طفلهم، وذلك من خلال إدخالهم في النشاطات التي تساهم في نشأة عقولهم، وتجعلهم يعتمدون على التفكير والإبداع الخلّاق، وهناك الكثير من الألعاب البسيطة التي تعتمد على العمل اليدوي والتفكير العقلي، والتي يمكن أن يستعين بها الآباء في تفريغ طاقات أطفالهم.
- تلقين الطفل العلوم: إن الطفل حين يولد ويبدأ ينطق، فإنه ينطق حروفًا ليس لها معنى لنا، لكنها تعني الكثير عنده، يريد أن يرشدنا إلى شيء في نفسه، والتعبير عن دواخله ورغباته، ولكننا لكوننا لا نفهمه فإننا نتجاهله، وهذا خطأ جسيم؛ إذ لابد أن نجاري الطفل ونعامله بالمحبة والاهتمام، وننظر لما يقوله ويشير إليه.
وعلينا أن نساعده أن يعبر بشكل صحيح، فيلقنه آباؤه الحروف ببساطة، وفي شيء من الخفة، حتى يتدرب عليها الطفل، ويتعود عليها لسانه، ويستطيع التعبير بها.
- تربيته على الاعتماد على نفسه: إننا نرى كثيرًا من شباب اليوم لا يعرفون كيفية الاعتماد على النفس، فنراهم دائمًا في كنف آبائهم وأمهاتهم، وهذا لا يصلح في العصر الحالي الذي نعيشه، فالإنسان الضعيف والخجول لا يمكنه أن يعمل في شيء يساعده على النجاح وتحقيق أحلامه.
لذلك على الآباء أن يعودوا أطفالهم على الاعتماد على النفس، من خلال إطلاقهم في المواقف المختلفة، والنظر في ردود أفعالهم، ثم تقويم هذه الأفعال بمناقشتهم، فيصيرون أصحاب خبرة صغيرة قابلة للتمدد، ويصيرون أصحاب إرادة قوية، وقوة في دواخلهم لمجابهة مصاعب الحياة.
- والشيء الأخير، احترام رغباتهم ومواهبهم: إذ على الآباء أن ينبشوا في نفوس أطفالهم عن الشغف الذي يؤرق عقلهم، ويرغبون في إفناء الوقت فيه، والعمل على تدعيمه وتنميته، ولن يتأتى ذلك إلا إذا استطاع الآباء أن يحترموا موهبة طفلهم ورغبته.