يرجو المسلم من ربه الكثير ويسأله من خيرَي الدنيا والآخرة، وفي دعاء قيام الليل خاصَّة يُصبِح الطَّلب مرجوًّا بشدَّة؛ فمنهم من يدعو للرزق أو للزواج أو لتحقيق الأمنيات أو قضاء حاجةً. وكَيف لا وهو سبحانه القائِل في الآية ٦٠ من سورة غافر (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). فما أجملها من بشَارة.
قصة عن عجائب الدعاء في الثلث الأخير من الليل
يستغل المؤمنون قيام الليل للتقرب إلى الله والشكوى له ممن ظلموهم. ويروى أن أحد الوزراء قد اعتدى على أموال امرأة عجوز، فسلبها حقوقها، وصادر أموالها، فذهبت إليه تبكي وتشتكي من ظلمه، فما أعطاها حقها، فقالت: لأدعوَنّ الله عليك.
فأخذ يضحك ويستهزئ بها، وقال لها: عليكِ بالثلث الأخير من الليل.
ذهبت العجوز وداومت على قيام الليل والثلث الأخير منه، وظلت تدعو وتدعو، فما هو إلا وقت قصير حتى عزل الوالي هذا الوزير، وسُلبت أمواله وأخذ عقاره، ثم وضعوه في السوق يُجلد جلداً تأديباً له على أفعاله بالناس.
فمرت به العجوز وهو يُجلد، وقالت له: أحسنت فقد وصفت لي الثلث الأخير من الليل، فوجدت الثلث الأخير من الليل أحسن ما يكون.
أبيات شعر معبرة
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
أَتَهزَأُ بِالدُعاءِ وَتَزدَريهِ
وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ اللَيلِ لا تُخطِي وَلَكِن
لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ اِنقِضاءُ
ويقول الشاعر أيضًا:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
آيات وأحاديث عن قيام الليل
الأحاديث الصحيحة في فضل قيام الليل
تقول أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قام من نومه ليلة من الليالي، فقال: سبحان الله سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتن؟ ماذا أنزل الله من الخزائن؟ ثم قال: من يوقظ صواحب الحجرات كي يُصلين؟ أي يُصلين قيام الليل. فرًب كاسيةِ في الدنيا عارية يوم القيامة. أي أن النجاة من الفتن تكون بشيء اسمه صلاة الليل.
وقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً)؛ وهو حديث مُتَّفق عليه.
وقال نبينا محمد ﷺ (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، و قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد) ~ صحيح الجامع
وقالت عائشة رضي الله عنها: لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا. ~ صحيح الترغيب
وقال رسول الله عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام (شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس) ~ شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد
وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام (رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت، نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى، نضحت في وجهه الماء) ~ الصحيح المسند
وقال ﷺ (استعينوا بطعام السحر على صيام النهار والقيلولة على قيام الليل) ~ مختصر المقاصد
وهنا حديث في فضل قيام الليل من النبي ﷺ؛ يقول (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتب في الذاكرين والذاكرات).
وغيرها الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تُبيّن فضل قيام الليل والحَثّ عليه.
وأبو هريرة -رضي الله عنه- كان هو وزوجته وخادمه يقسمون الليل ثلاث؛ ثلث زوجته، وثلث هو ، وثلث خادمه، فلا تبقى لحظة في الليل ولا دقيقة إلا وفيها قائم يُصلي.
وقد قال يزيد الرقاشي
(قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه وصيام النهار يبعد العبد من حر السعير)
ملحوظة: تذكر بعض المصادر -المُخطئة- أن هذا حديث للنبي ﷺ؛ لكن هذا ليس بحديث.
فقيام الليل أفضل وأعظم الصلوات بعد الفريضة، وهو أفضل الصلوات بعد الصلوات الخمس، فشرف المؤمن قيامه لليل.
قيام الليل في القرآن الكريم
يقول المولى سبحانه وتعالى (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) فليل هؤلاء قيام وركوع وسجود لله عز وجل، وهكذا هم أهل الإيمان، فإذا نام الناس وغطوا بنومهم، وجوههم تتجافى عن الفُرش، فيُصلون لله عز وجل.
ويقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب). فقد نزلت هذه الآية في سيدنا عثمان -رضي الله عنه- فقد كان يُحيي الليل بالقرآن.
فالناس أنواع؛ وقائم الليل هو الفائز من بين هؤلاء، حيث قام من فراشه وتركه، ثم توضأ، ثم قام يُصلي آخر الليل، فما أحلى هذه العبادة! وما أجملها!
دعاء قيام الليل جامع لكل خير
وفي قيامك وتضرعك بين يدي ربك في جَوف اللَّيْل، سنحاول أن نساعدك في المناجاة بأجمل أدعية قيام الليل الجامعة لكل خير، وأيقن الإجابة، انه -تعالى- سميع قريب مجيب الدعاء.
- يا ربي أدعوك وأناجيك لي عندك حاجة فأقضها لي، ويسرها، وجعلني أفوز بها يا أكرم الأكرمين.
- اللهم ارزقني الهُدى والتقي، والعفاف، والغنى، وجعلني من المُقربين إليك يا قوي يا عزيز.
- اللهم انصرني على من ظلمني، واجعل كيده في نحره، ولا تُشمت بي حاقداً.
- اللهم اجعلني من القائمين القانتين الراكعين الساجدين المُسبحين والمستغفرين بالأسحار.
- اللهم ارزقني الصبر على البلاء، والنصر على الأعداء، يا ذا الجلال والإكرام.
- اللهم إني أناجيك في ظلمات الليل وأنا مُستيقظة أدعوك وأتقرب إليك اجعل لي من كل ضيق مخرج، ومن كل هم فرج.
- اللهم يسر لي كل أمر عسير، وجعلني ممن قلت فيهم وبشر الصابرين.
- اللهم اغفر لي خطيئتي، وآنس وحشتي، وتقبل دعوتي يا أرحم الراحمين.
- اللهم أقض لي حاجتي، وأعني في الدنيا والآخرة، وارزقني الإيمان بالقضاء والقدر.
- اللهم لك الحمد والشكر والثناء الجميل على كل النعم التي أنعمت بها علينا يا كريم.
- اللهم في هذه الليلة المباركة اعتق رقابنا من النار يا عزيز يا جبار.
ما كان يقوله النبي ﷺ في قيام الليل
جَاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت).
وعن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة).
حديث موضوع
ينتشر بين الناس، لكنه حديثٌ موضوع، وفيه: (قال جبريل عليه السلام: يا محمَّد، والذي بعثك بالحق لا يدعو أحد بهذا الدعاء، إلَّا غُفرت ذنوبه، واشتاقت له الجنة، واستغفر له الملَكان، وفَتحت له أبواب الجنة، ونادته الملائكة: يا ولي الله، ادخل من أيِّ باب شئت: اللهم إني أسالك إيمانًا دائمًا، وأسألك قلبًا خاشعًا، وأسألك علمًا نافعًا، وأسألك يقينًا صادقًا، وأسألك دينًا قِيمًا، وأسألك العافية من كلِّ بلية، وأسألك تمام العافية، وأسألك دوام العافية، وأسألك الشكر على العافية، وأسألك الغِنى عن الناس).