كونك ترغب في دعاء ذهاب الهم والغم والحزن والقلق، فلا يدُلّ هذا على أن مُشكِلتك شخصيّة، فلقد عانى الأنبياء والصحابة والمُسلمين على مرِّ العصور من كلِّ هذا. فهذا شيء وارِد على أي إنسان، وليس هذا دليلاً على ضعف الإيمان.
كما أنّ الإنسان قد يُصاب بعين، سحر، فقر، تسلط عدو، أمراض مختلفة.
فالنبي ﷺ وهو أفضل الخلق وأكملهُم وأحبّهم إلى الله -تعالى- يقول “إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم”، وفي روايةٍ “إني أوعك كما يوعك أحدكم مرتين”. هذا الرسول المختار ﷺ فما بالك بنفسك؟
ولهذا قال في حديثٍ آخر “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه”.
ولا يُستثنى من هذا أحدًا، كما أنّ المصائب بحد ذاتها مُكفِّرات للذنوب، وإذا صاحبها أيضًا صبر واحتساب ورِضا بقدر الله -عزّ وجل- فيؤجَر صاحِبها أيضًا من ناحية صبرِه واحتسابه ورضاه بقدر ربِّه.
فصارت هذه المِحَن مِنحًا ورحمة، وهي نَعَم وإن جاءت في صورة نِقَم.
في كل مصيبة خير
بل أن النبي ﷺ يقول ” من يُرد الله به خيراً يُصِبْ منه”. فهذا الهم والغم والحزن، وهذا الضيق الذي أنت فيه هو خيرٌ من ربِّك، فاصبر واحتسب وعليك بالدُّعاء.
وقال أيضًا ﷺ “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط”. فالله -العفو- يُريد أن يرفع درجاتك، ويزيد في حسناتك.
واقرأ أيضًا حديث الحبيب ﷺ “إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، حتى ببلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى”. ويقول أيضًا صلوات الله وسلامهُ عليه “يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض”.
لذلك، يقول الشيخ أ.د عبد العزيز الفوزان، تجِد المؤمن أكثَر النّاس سعادةً، ولو أحاطت به المصائب من كُلِّ جانِب. قلبَهُ مُطمئِنًّا سعيدًا، راضيًا بقدر الله -الحقّ- لأنّهُ يرجو ما عند الله -سبحانه-.
والمسلم يفرح أن الله -تعالى- أراد بِه خيرًا بهذه المصيبة، مع أنّهُ لا يستسلِم لها. فقد أُمِرنا أن نُعالِجها، وأن نحاول رفع البلاء أو تخفيفه، فهذا أمرُ الله -الجليل- لنا، أن نأخُذ بالأسباب. لكن ما دُمنا ابتُلينا فنحمَدُ الله على كُلِّ حال.
ولهذا يقول نبينا ﷺ “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”. ولا يعني هذا أن الإنسان يتمنّى المصيبة ولا يستسلم لها إذا وقعت عليه.
ولذلك، لما فقد النبي ﷺ أحَد أصحابه، «عاد النَّبيُّ رجُلًا قد جُهِد حتَّى صار مِثلَ الفَرْخِ المنتوفِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل كُنْتَ دعَوْتَ اللهَ بشيءٍ؟، قال: نَعم كُنْتُ أقولُ: اللَّهمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبي به في الآخرةِ فعجِّلْه لي في الدُّنيا فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سبحانَ اللَّهِ لا تستطيعُه أو لا تُطيقُه فهلَّا قُلْتَ: اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ؟ قال: فدعا اللهَ فشفاه».
دعاء ذهاب الهم والغم والحزن
لعلّك قد تسأل، أو سألك مِمّن حولك: أريد دعاء تفريج الكرب وتيسير الأمور، هل تعرِف دعاء تفريج الهموم والمشاكل؟ أتستطيع إخباري بدعاء تفريج الكربة؟.. اتل عليه ما يلي:
تأمّل أخي المُسلِم وأختي المُسلمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أصاب عبدا هم ولا حزن, فقال اللهم : إني عبدك, وابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضٍ فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك, أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همّي وغمّي, إلا أذهب الله همّه وغمّه, وأبدله مكانه فرحا”.. قالوا يا رسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال: “بلى, ينبغي لمن سمعهن أن يتعلّمهن”.
وهُناك أيضًا في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
والمزيد أيضًا عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ: أنه كان إذا حزبه أمر قال (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
فضلاً عمّا جاء عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها، أنها قالت: قال لي رسول ﷺ: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا).