حديثنا اليوم عن دفع الهم والحَزَن؛ أو بالأحرى حول دعاء الهم والحزن والضيق والتعب والغم الذي جاءنا من السنة النبويَّة المُشرَّفة. ودفع الهم والحَزَن مطلب لكل إنسان على هذه الأرض؛ ما يعمل عمل إلا وهو يسعى من وراءه إلى دافع الهم عنه، حتى الأكل والشرب وغيره.. إنما يأكل لدفع هَمَّ الجوع عنه، ويشرب لدفع هَم الظمَّأ عنه.. وقِس على ذلك.
دعاء الهم والحزن والضيق والتعب والغم
وكمُسْلِم، ولدفع كل هذا، فاعلم أنَّهُ كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وآلة وسلم- في الحديث الشريف «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وقهر الرجال».
والهم والحزن لا يخلو منهما قلب إنسان؛ ولكن المسلم الذي يتلو كتاب الله -سبحانه وتعالى- ويتأمَّل في قوله -جل وعلا- في سورة الحديد {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}، وفي سورة آل عمران {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ}. فيذهب عنه الكَرْبِ والهَم والحَزَن لأنه إذا علِم أن ما فات انتهى، ولا ينفع أن يأسى عليه الإنسان ولا يحزن لأنه لن يعود ولن يرجع الإنسان إلى الوراء فيُعوِّض ما فات عليه أو يستدرِك أمرًا كان بإمكانه استدراكه فلم يفعل.
فعلام الحزن على شيء قد انتهى؟
وكذلك الهَم؛ قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة لقمان {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}. فعلام تحمِل هَمّ غدٍ وما سيكون فيه وماذا ستفعل وكيف تفعل ومتى تفعل؟ وأنت لا تدري هل تعيش إلى ذلك الغد أو لا! هل تصل إلى ما تريد أن تصِل إليه وقد حملت همَّه على رأسك؛ أو لا تَصِل.
وقد تصل إليه وقد تغيَّرت الظروف واحتجت إلى أسبابٍ أخرى؛ قد تكون أسهل مما كنت تتخيل، وقد تكون أصعب.
لذلك؛ فالتفكير في غدٍ وإشغال النَّفْس به حتى يتعب الإنسان، ويغلب على قلبه الهم والحَزَن؛ من الأمور التي ينبغي ألا تكون في قلب المسلم الذي يكِل أمرَه إلى الله ويعتمد بقلبه عليه، ويُحسِن ظنَّه بِه.
لأنَّه من علَّق قلبه بالله توكَّل عليه، وعلِم أنَّه متى كان مع الله كان الله معه، وأن الله سيُيَسّر له كل عسير؛ ويردد دومًا دعاء الهم والحزن. لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل مع كل عُسْرٍ يُسرا، وهذا ما جاء في القرآن الكريم، في سورة الشرح {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا | إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
تفاءل خيرًا
لذلك؛ دائِمًا الإنسان يكون متفائِلا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل. فمع الفأل وحُسن الظن بالله ينطلق الإنسان بلا هَمٍّ ولا حَزَن. فإنَّه إذا عَلِم أن ما مضى انتهى ولن يعود، وعَلِم أنَّ ما سيأتي في غدٍ أمرٌ من الغيب الذي قد يأتي خِلاف ما يتوقَّع. وقد يريد أمرًا ويريد الله غيره، فلا يصِل إليه ولا يتحقَّق له؛ بل يُغَيّر رأيه فيه، وقد حمل همَّه أيام وليالي كبيرة سبَّبَت له الأرَق والمرض؛ ولا حول ولا قوة الا بالله.
فمنهج الإسلام في تهذيب النفس وتزكيتها وحصول الطمأنينة والراحة للإنسان عظيم، لذلك؛ فلو تأمَّلنا في هاتين الآيتين فقط وهما {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}؛ لوجد الإنسان في قلبه الطمأنينة والرَّاحة.
لا يحزن على شيء فات لأنه انقضى، ولا يحمل هَمّ ما هو آتٍ لأنه لا يدري هل يأتي أو لا يأتي وكيف يأتي.
الأخْذ بالأسباب
وليس معنى ذلك أن الإنسان لا يعمل ولا يأخُذ بالأسباب ولا يُفَكِّر في المستقبل. لكن على العكس تمامًا، عليه أن يكد ويكدح ويعمل ويتفانى. وعليه أن يُفَكِّر في شيء يكون داعِمًا له ومقوّيا له في الانطلاق في ما يرضى الله -سبحانه وتعالى- والسَّعي في الحياة الدنيا بدون أنْ يُحَمّل نفسه هَمًَّا لا ينبغي له أن يُحَمِّله نفسه وهو مؤمن بالله، متوكِلٌ عليه، مُحسِنٌ ظنَّه بِه -سبحانه وتعالى-.
والله -جل وعلا- يقول في الحديث القدسي {أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء}. فإن أحسنت الظن بالله انطلقت في حياتك بلا هم، وإن علَّقت قلبك بالله وتوكَّلت عليه فسوف تجِد القوة والطاقة والحيوية والطمأنينة التي تعينك على تجاوز كل ما تخشاه وتهابه من أمور هذه الدنيا.
أدعية طيبة مباركة
ومع وصيتي لك أن تُرَدد دعاء الهم والحزن الذي ذكرناه أعلاه؛ نُكمِل الأدعية ونَدْعُو أيضًا؛ نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضى ويأخذ بنواصينا للبر والتقوى وأن يدفع عنَّا وعنكم كل هَمٍ وحَزَن وأن يُحسِن خاتِمتنا في هذه الدنيا، ويتوفانا وهو راضٍ عنَّا، وأن يغفِر لنا ولوالدينا، وأن يرحمهم كما ربونا صغارا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ.