ما زلنا مع سورة الكهف وآياتها الكريمة نتعلم من قصصها خير الدروس، ونستقي العبر والمواعظ الحسنة الطيبة، وسنتناول في مقالنا هذا الحديث عن قصة سيدنا موسى -عليه السلام- مع الخضر، ونسلط الضوء على ما جاء فيها من المفارقات وما انطوت عليه من الخبرات والعظات، والله الموفق.
قصة موسى والخضر
معظمنا يعرف قصة ما حدث بين سيدنا موسى -عليه السلام- والعبد الصالح الخضر، والتي كان سببها أن نبي لله موسى سئل ذات يوم عن أعلم أهل الأرض فأجاب بأنه هو أعلم أهل الأرض، فعاتبه ربه في ذلك وأخبره أن هناك من خلق الله من أوتي من العلم فوق ما أوتي موسى -عليه السلام-، فسأل سيدنا موسى عنه وعرف أنه الخضر، وقرر أن يرحل إليه ليأخذ عنه قبس من ذلك العلم، وكان بينهما ما كان من الخبر الذي نقله إلينا الله عز وجل في كتابه الكريم.
اصطحب سيدنا موسى فتاه وقرر أن يسافر ويقطع المسافات حتى يصل إليه ويلتقي به، وفي رحلتهما أعدا زادًا يعينهما على السفر وعندما وصلا إلى مجمع البحرين فقدا حوتهما، ولم ينتبها إلى ذلك الأمر إلا حين أدركهما الجوع، وعادا ليبحثا عنه حيث قدر لهما اللقاء بالخضر، وطلب منه سيدنا موسى -عليه السلام- أن يعلمه مما علمه الله، فوافق بعد أن أخذ عليه عهدا أن لا يسأل عن شيء حتى يبين له سببه، ويوضح له علته.
ولكن لأن الإنسان خلق عجولًا فلم يملك سيدنا موسى أن يمنع نفسه من السؤال والاعتراض على ما بدا له من فعل الخضر وعجيب تصرفه، فقبل عذره مرة بعد مرة وفارقه في المرة الثالثة بعد أن بين له كل ما غاب عنه من العلم وفسر له ما أثار دهشته وغضبه.
واقرأ هنا -أيضًا-: قصة سيدنا موسى والخضر مختصرة
وإذا تأملنا تفاصيل قصة سيدنا موسى مع الخضر، فسوف نخرج منها بعدة دروس وفوائد منها ما يلي:
العلم يستحق السفر والسعي لتحصيله
فقد سافر سيدنا موسى -عليه السلام- بلادًا وقطع مسافاتٍ في سبيل الوصول إلى العلم والعلم فقط، وهذا يدل على مكانة العلم وعلو شأنه، ومن هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على هذا المعنى ويؤصله، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (اطلبوا العلم ولو في الصين).
الصاحب في السفر
يستحب للمسافر أن يصطحب في رحلته من يعينه على مشقة السفر ويؤنسه في غربته، وعلى المسافر أن يأخذ معه ما يكفيه ليتزود به في رحلته من طعام أو شراب أو مال يوفر له مؤنته، وهذا من باب التخطيط للسفر، والإعداد الجيد له.
طاعة التلميذ لمعلمه
من حسن الأدب أن يطيع التلميذ معلمه ويلزمه، ويحسن الحديث معه ويقبل شروطه، لأن للمعلم على المتعلم فضلٌ كبيرٌ يستحق كل ذلك، وكما قيل: قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا.
الحكم على الظاهر دليل قلة العلم وقصر النظر
ونستنتج ذلك من كل الأفعال التي قام بها الخضر، فظاهرها غريب وغير منطقي، بل يحمل معنى الشر في ظاهره ولكن باطنه خيرٌ كبيرٌ، ومن ثم فيجب على الإنسان التحلي بالصبر واليقين أن أقدار الله كلها خير، وقد يتبين له بعد حين ما كان يخفى عليه فيعرف فضل الله عليه، وحكمته من أقداره.
العمل الصالح يحفظ الإنسان وذريته من بعده
من كرم الله على الإنسان أنه متى أصلح ما بينه وبين الله واتقاه في سره وعلانيته، فإن الله يبارك له في ذريته ويحفظهم بصالح عمله، فسبحان الله الذي لا يضيع عنده الأجر أبدا.
الحرمان من بعض ما نحب رحمة من الله
قد يحرم الله الإنسان من شيء يحبه ليرحمه من تحمل ما لا يطيق، ولكي لا يرهقه ويشقيه ما أحب، وهذا ما حدث في قصة الغلام الذي قتله الخضر، فلو بقي لشقي به والداه، فأرادا الله أن يعفيهما من هذا الشقاء ويهبهما من يكون أرحم بهما منه.
صعوبة صبر الإنسان عما يجهل علته
يشق على الإنسان أن يصبر على ما لا يعلمه، وهذا طبع فيه لا يعاب به ولا يقدح فيه، فقد عاهد سيدنا موسى الخضر على عدم السؤال ولكنه لم يستطع صبراً.
واقرأ هنا أيضًا .. ما هو يوم الزينة: أسماؤه ومظاهر الاحتفال به وحكمه