جلست في مقهى فتيات، وطلبت فنجان القهوة بالبندق، وما أن أتتني النادلة بفنجان قهوتي، ارتسمت على وجهي الابتسامة، شعرت بالنقاء، صفاء النفس ملأني، هدوء الروح اغتمرني، وتبشش وجهي عندما رأيت تفصيلة ولفتة رقيقة من الفتاة الطاهية لديهم، فلقد وضعت بجانب القهوة بسكويت كلاسيكي الشكل، أحببته كثيرا، وقعت في غرام تلك الفنجان، ليته دام ودام، ومع كل رشفة منه كنت أشعر بقليل من الانسجام مع الجو والمكان.
كم من قهوة شربتها في فنجان؟ذهبت أتسائل، هل هو الفنجان أم القهوة التي توحي بالاطمئنان، هل السر في الجوهر أم المظهر، أم هومفهوم تناقلته الأجيال على مر الزمان، أن القهوة هي سر اعتدال المزاج والتركيز والوئام.
قهوتي سر سعادتي
هل هي سبب قبول العريس للعروس في أول زيارة لبيتهم المبجل؟ أم هي سبب رضا المدير عن موظفينه ومساعده؟ هل هي سبب تغافل الأم عن طيش أبنائها؟ أم هوسبب راحة البال لمن يشكوالهم أو الضغط النفسي والمسئولية؟ حقا إنها محيرة، ومازلت لا أعلم ما سر القهوة والفنجان. لكني أعلم ما أعجبني أنا في فنجان قهوتي حينذاك، فقد شعرت من خلاله بالاهتمام، شعرت أن هناك من يهتم بتفاصيل سر سعادتي، وإن لم يكن هذا حقيقي، أو هومحض صدفة تلاقت مع فكر صافي للطاهية وبعض الإتقان، لكن في كل الأحوال، على إعجابي حاز ونال، بدون أي شك أو سؤال.
كان فنجان قهوتي سحر وأحلى من الخيال، كان بالنسبة لي سلام داخلي لأعضائي وحواسي، لم أشعر به قط، ولكن مس بداخلي شيء قديم كان قد فقد دفئه وقارب على التهلكة، أعادت القهوة ومنظر الفنجان به الحياة، قطع في مسار دمي أميال وأميال، ذهب لكل حدب وصوب، وصل لكل ركن وجنب، فاق توقعاتي ووصل للمحال.
أردت أن يدوم أكثر قليلا، لكن هذا هوما يسمونه “كل حلوله نهاية”، وأيضا”حلوالدنيا يقارب على الاكتمال” لكنه لا يصل أبدا لحد الكمال، فكما كان السر المجهول هو سبب السعادة والعادة جرت على أن القهوة هي حلوة للإنسان وزيادة، لكن من التقليد أن تكون في فنجان، صغير بل أحيانا متناهي في صغر الحجم لا يروي ظمآن ولا يكفي لعطشان، فهوفي نفسه كامل وناقص، حلوومرير، قهوة لكن في فنجان.
أجمل الخواطر عن فنجان القهوة
- فنجاني جانب وردتي، قطفتها من حديقتي، آنست مجلسه بها فهودائما أنيس وحدتي، كتابي بجانبهم يسكن، اقرأ فيه وأسبح وأحلم، و فنجاني يغار فيصعد منه البخار ليلفت نظري إلى ما به من أسرار، أنهار وأقدار يقرأها بعضهم ليزيدوا من جمال القهوة بأعيننا والفنجان أرطال.
- فنجان قهوتي تفاصيله لامست تجاعيد يدي، كانت قاسية لكن وهج القهوة”حنِّنِت” قلب فنجاني على مسام بشرتي.
- “تمويجة” الفنجان وطبقه أسكنت قلبي الولهان وشبقه.
- فنجان قهوتي، كم لك من مرات عانيت من “لسعة كنكتي”، تأقلمت على صدمة يدي حين أضعك وسط انشغالي وأنا أهرول لألحق بسيارة العمل وهي في انتظاري، عانيت من ارتطامك حين تسقط من يد طفلتي عندما تلهوبك خلسة من وراء ظهري، تسقي عروستها وتقلدني في حملي لك معي في كل مكان، لكن كل الرخيص بال وانكسر، إلاك ، غالي وقوي، والسر هومحبتي.
- فنجاني، كل خط يخلفه مشروبي بك يستهواني، يذكرني بكل موقف مؤثر صعب في حياتي بوجودك جافاني.
- فنجان قهوتي هومفتاح حيرتي، أحتار في جمال رغوته و”الوش” الأبيض المنير على سطح بشرته، رغم أن المضمون داكن، بن أصلي به اللون البني ساخن، مشتعل يدفيء الحضن الذي يحتويه، اليد ثم العقل والقلب وما فيه.
- فنجان يصنعه فنان، فائق الإحساس .. إنسان، تظهر قوته لمن يشرب على حسب مزاجه فهوللقهوة أقرب من أي كيان، فالبنّ حياته، به فرحه ومماته، والفنجان صديقه، يده دائما لا تفارق “إيده”، وإن افترقا يذهب قليلا ثم يعود لفقيده.
- قهوتي، قليل منها يأسرني ويحييني ، يسحرني ويسليني، كثير منها يقتلني ويترك الجرح غائر يشجيني.
- فنجان قهوتي أثار فضولي وحيرتي، زخرفته أمتعت عيني، وملمسه يدغدغ بشرتي.