انسلت الفكرة حين قرأت هذا المقال الذي يلخص فكرة كتاب أظنه مشهورا لدى الكثيرين وهو: “العادات السبع للناس الأكثر فعالية“.
هذا الكتاب حقق مبيعات تفوق المليوني نسخة وترجم لعدة لغات، ولكن المثير في الأمر هو أن يسير الابن على نفس درب الأب؛ فيؤلف كتابا يستخدم العادات التي ساقها الأب ليترجمها لأفكار مناسبة لمن يعيشون مرحلته التي هي مرحلة المراهقة.
المؤلف الأب هو ستيفن كوفي مؤلف العادات السبع للناس الأكثر فعالية، والمؤلف الابن هو سين كوفي مؤلف كتاب: العادات السبع للمراهقين الأكثر فعالية.
شوربة دجاج.. للروح
وكنت منذ فترة بعيدة تقرب السبع سنوات قرأت الكتاب الأصلي لستيفن كوفي وغيره من الكتب التي ألفها نفس المؤلف في نفس السلسلة: العادات السبع للإقدام على التغيير بشجاعة؛ و العادات السبع للأسر الأكثر فعالية.
الجميل في الأمر أن تجد الكاتب وقد يبدو أنه كرس حياته لخدمة الأفكار المتضمنة في كتابه الأول وهذا دأب كثير من المؤلفين الأمريكان؛ حيث يبدأون بفكرة أصلية ثم يحاولون نقلها وتطبيقا في مساحات مختلفة من الحياة، تماما كما حدث في كتاب لا تهتم بصغائر الأمور فتوالدت سلسلة كبيرة تحمل العنوان الأساسي وتطبيقات لمساحات بل وجماهير أخرى .. وأيضا الشهير شوربة دجاج للروح.
أوقفتني فكرة أن يكرس الإنسان حياته لفكرة أو مجموعة من المعتقدات يختبرها ويفندها ويضبطها وينقحها ويعرضها على الناس بمداخل مختلفة لمساحات مختلفة.
يعجبني في هذه الفكرة التركيز الشديد والاستفادة من موارد الفرد المتراكمة وخبراته للبناء عليها؛ وهو ما يتفق مع مبادىء النجاح التي تقتضي فعليا التركيز، كما يعجبني إصرار الكاتب على أن يشتبك كثيرون مع أفكاره فيعدد الجمهور ويعدد مساحات التطبيق.
العلم في خدمة.. العلماء
وهنا يستوقفني حرص الكتاب والمؤلفين في الغرب على أن يصلوا للجمهور بلغة يفهمونها ويتفاعلون معها، بل تشتهر كتاباتهم بين قطاع كبير من الناس والتي قد تكون كتابة “علمية” بالأساس.
يستوقفني هذا في مقابل الكثير من الكتابات والكتاب العرب الذين يكتبون عن قطاعات كبيرة وغفيرة من الناس تحتاج فعليا لعلمهم ليطور حياتهم إلا أنه للأسف الشديد تتعقد لغتهم لتقترب من الطلاسم ليصبح العلم لدينا “كهنوت” لا يدركه إلا “الكهان”!.
تمر بذهني خاطرة كلما قرأت كتابا لعلم النفس باللغة العربية وهي مقولة لدكتور محمد المهدي الطبيب النفسي يعرف بها علم النفس فيقول: “هو العلم الذي يدركه كل أحد بلغة لا يفهمها أحد”.
لا أدري لماذا تكون اللغة لا يدركها أحد؟، وما قيمة ما لا أدركه أصلا؟، ألا يترك ذلك مساحة مهولة من الجهل ومساحات كبيرة جدا من الاحتياج للعلم يلبى للأسف بطرق قد ننكرها على أصحابها فيما بعد؟!؛ بل ننكر على مقدمي نصف العلم أنه مشهورون ومعروفون ومبجلون لدى من يدركون لغتهم.
ألستم معي أننا بحاجة لمزيد من نقل العلم الحقيقي بلغة حقيقية.. واللغة الحقيقية في نظري هي اللغة التي يدركها كثير من الناس؛ ويتفاعل معها أخذا وعطاء كثير من الناس.. غير متناسية ولا متجاهلة أبدا أمرين: الارتفاع التدريجي باللغة؛ وأحقية كل علم بل حتمية أن يستخدم بعض المصطلحات الضرورية، لكن أن يتحول العلم بأكلمه لمجموعة من المصطلحات التي تحتاج عمر الإنسان ليفك طلاسمها!، فأظن اختيار أغلب الناس سيكون استثمار حياته بطريقة أخرى بعيدة عن طلاسم العلم، وحينها نرجو ألا يتألم العلم من تجاهل الناس له كما هو حادث بدرجة غير قليلة الآن خاصة في العلوم الإنسانية التي يفترض فيها أن الإنسان هو محورها الأساسي، وموضوعها الأساسي، ومستخدمها الأساسي.
“العلم نورن”
حين نشر كتاب “الذكاء الوجداني” عبر الناشر في المقدمة عن دهشته لأن يصبح الكتاب في يد كثير من “العامة”!.. و هؤلاء العامة بطبيعة الحال هم موضوع الكتاب، والمستهدفون من الكتاب، والمستخدمون للكتاب، وبالتالي هم وحدهم القادرون على الحكم على أحقية الكتاب بأن يكون من أكثر الكتب مبيعا في العالم، بل أن يستمد الكتاب أهميته الحقيقية من استخدامه وتطبيق ما به في الواقع.
هذه هي الفكرة الأولية والبديهية لأن يتحول العلم إلى نور.. وأتساءل هل يتحول العلم لنور دون استخدام.. هل يمكن أن يكون هناك أي طريقة سحرية أخرى؟..
حين صدر كتاب أطر العقل للكاتب “بروفيسور دكتور هاورد جاردنر”، وهو كتاب علمي أي يحمل معلومات وأفكار علمية تبلور نظرية الذكاءات المتعددة، تناوله المدرسون وتابعت نقاشات حوله من معلمين، وآباء، ومعالجين، ولقاءات في الصحف والإنترنت والتلفزيون حول الكتاب وأفكاره الرئيسية ورؤية الكاتب للتطبيق لتحسين الأمور في حياة الناس الذين هم المستخدمون الواقعيون للعلم المتضمن بالكتاب.
كم أتمنى أن تحدث لدينا هذه الحالة من التلاحم بين العلم الحقيقي بلغة حقيقية من أصحاب علم “حقيقيون” مع الناس الحقيقيين!.
لمحة أخرى تستوقفني في هذه الكتابات وهي الشكر والعرفان الذي يطول القريب والبعيد عن العمل، بل قد تكتب الزوجة أو الزوج أو أحد الأبناء مقدمة للكتاب ويعطي ذلك بعدا – أراه – رائعا لما يقدم؛ فأشعر بهذا الكاتب إنسان في الحياة وليس راهبا في صومعة أو معتكفا بمعمل، واللمحات الإنسانية تقرب الجمهور – العادي – من الكاتب الذي يضع هذا الجمهور في ذهنه حين يكتب وحين يشكر وحين يقدم لكتبه.
وهو ما نتمنى شيوعه كحالة عامة تجعل المفكرون والعلماء أقرب لأن يكونوا أنفسهم حين يتعاملون وتجعل الناس أقرب حين يتلقون.
بقلم: نيفين عبد الله
⇐ واقرأ أيضًا من مقترحاتي: