سنة جديدة سعيدة
التغيير سنة الحياة، والثبات علامة الموت، فما دمنا أحياء قادرين على الحركة يجب أن نكون قادرين على التغيير أيا كان نوع هذا التغيير أو مضمونه أو هدفه، وبما أننا مقبلين على سنة جديدة فإننا نوجه دعوة رائعة للتأمل نتأمل فيها أنفسنا ونتعرف على العوامل الأساسية التي تسبب لنا مشاعر التعاسة والألم.
من خلال تأملاتي في الأحداث والأشخاص تكشفت لي نقطة غاية في الأهمية، وهي أن السعادة أو التعاسة ليست مرهونة بما يحدث لنا أو ما نملكه أو ما نفقده بقدر ما هي مرهونة بخطوط عريضة نضعها لأنفسنا نلزم أنفسنا بالتحرك في نطاقها، فمثلا بعضنا يتأزم جدا ويضيق ذرعا بانتقاد الأخرين له، بينما يربط البعض الأخر سعادته بالحصول على عمل معين أو ترقية معينة، ويهدر ثالث كل سعادته ويضيع وقته ويستنزف طاقته في الندم على خطأ حدث منه في الماضي أو خسارة وقعت له.
لذا ينبغي أن نستغل فرصة بداية عام جديد ونغير الخطوط العريضة التي تُعنون سلوكياتنا وتبلور مشاعرنا، وهنا نذكرك ببعض الخطوط والعناين الإيجابية التي يجب أن تضعها نصب عينيك، لتجعل عامك القادم أفضل بإذن الله بل عمرك القادم كله أفضل، ومشاعرك أنقى وأرقى وأهدى.
رأيك في لا يدل عليَّ
تحرر من تأثرك بآراء الآخرين، وحرصك على إرضائهم ونيل إعجابهم، أو الفوز بثنائهم، تحرر من كل ما يعيق حركتك ويقيد تفكيرك، ويمنعك من الانطلاق.
اجعل العامل الأساسي في حكمك على ما تريده وتنوي القيام به وتقييمك له هو الحِل أو الحرمة، ومدى الانتفاع به لنفسك أو حتى لغيرك، فما كان مباحا نافعا لك أو لغيرك فافعله ولا تبالي بما يقولون، ولا تحزن لنقدهم ولا يضيق صدرك بإحباطهم ولا تعبأ بكلماتهم ولا تلتفت لتقييمهم، فكم من ناقد يريد هدمك؟ وكم من ساخر يحسدك ويُعجِزك لأنه يعلم بقدراتك ويثق في نجاحك أكثر حتى منك شخصياً.
خذ النصيحة من أفواه المحبين والصادقين وذوي الخبرة
تحررك من المشاعر السلبية التي تملأ قلبك عند تعرضك لنقد أحدهم أو التعليق أو السخرية شيء، وأن تصم أذنك عن النقد البناء، وترفض النصح الإيجابي والتوجيه الموضوعي شيء آخر.
ابدأ من هذه اللحظة ومع ميلاد عام جديد، لتغير موقفك فيما تتلقاه من غيرك، كن على استعداد لسماع كل الآراء والتمييز بينها، خذ ما ينفعك ودع ما يضرك، خذ ما يبنيك ودع ما يهدمك، دون ضيق أو تأثر مبالغ فيه! ضع آرائهم فيك وتقييماتهم لك في المنطقة التي تستحقها ولا تزيد، واجعل بداية العام الجديد بداية انطلاقة نحو تقدير ذاتك.
لا جدوى من البكاء على اللبن المسكوب
معظم البائسين والتعساء وكثيري الشكوى ودائمي البكاء، لو تأملنا حالهم وبحثنا فيما بكاؤهم وفجيعتهم وسبب شقائهم، لوجدناه الحسرة على أمور قد مضى وقتها، والتعلق بأمنيات فات أوانها، وندم وجزع على أيام لا تعود وأحلام وأدها الواقع وأهال عليه التراب منذ سنين، وربما أمنيات مستحيلات لا تمنح القلب إلا بعض الوجع والحسرة، ولا تسمن ولا تغني من جوع.
قرر وأنت تستقبل العام الجديد أن تحذف فورا هذا البند من الأحزان، وتغلق هذا الباب من أبواب الوجع، اغلقه ولا تطرقه ثانية وركز على حاضرك.
واستحلفك بالله عزيزي القارئ هل وفيت أحداث الحاضر وأوجاعه وصدماته التي تباغتك بها الحياة كل يوم، هل وفّيتها ما تستحق من الحزن والوجع، لتبحث في الماضي عن مزيد من وجع القلب وارهاق الروح؟ أم هل فعلت ما عليك تجاه أحلامك للغد للتفرغ لاستدعاء أحلام الأمس والبكاء عليها؟
ركز على يومك
من أسباب الكآبة والتعب النفسي تشتت القلب والعقل بين الماضي والمستقبل، فهؤلاء يعيشون مشاعر الندم على الماضي والخوف من المستقبل، فيغفلون عن الاستمتاع بحاضرهم ويفوتون فرصة اغتنام يومهم، ويعيشون في متاهات الزمن حتى تُسرق أعمارهم ويفيقون وقد فاتهم قطار العمر بلحظاته السعيدة ومتعه القصيرة!
انتبه ولا تكن منهم، لا تضيع عمرك بين الندم والتطلع واجعل تركيزك وانشغالك في حدود يومك، ابدأ من الآن مع بداية العام الجديد، في تغيير تلك النظرة للأيام، أنهِ تعلقك بالماضي، حجم انشغالك بالمستقبل، فالماضي قد انتهى والمستقبل قد لا يأتي، ففيم تضييع اليوم!