سبحان من بيده ملكوت السمات والأرض هو المطلع على حال العباد، وسرائرهم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي جعل الإخلاص شرط في قبول الأعمال وصحتها وسلامتها، ودلنا على أسوأ ما قد يبتلى به العبد من أمراض القلوب، واعتلال الفطرة وهو مرض الرياء، ذلك المرض العضال الذي يهلك به صاحبه في الدنيا والآخرة.
وسوف يكون حديثنا في هذا المقال عن هذا المرض اللعين الذي أصاب الكثير في هذا الزمان، مبينين خطورته وصوره وحكمه في الإسلام، داعين الله أن ينفعنا وينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
معنى الرياء وصوره
معنى الرياء أن يقصد الإنسان بأعماله غير وجه الله، كأن يتصدق ويطعم وينفق ابتغاء المدح والثناء الحسن والسمعة.
وله صور متعددة تتفاوت في شدتها وخطورتها ومنها مثلا أن يعمل العبد عملا صالحا كالصلاة والحج الصدقة وهو يبغي بذلك الفخر واطلاع الناس عليه ومدحهم له بتلك الطاعات، فيفعل ذلك يبتغي شكر الناس وثنائهم فقط لا شيء غير ذلك، ومنه أن يفعل العبد الطاعة لله يرجوا ثوابها منه عز وجل ويطمع مع ذلك في حديث الناس والثناء الحسن، ومنه أن يفعل العبد العمل الصالح لا يبتغي به إلا وجه الله عز وجل وثوابه ولا يسعى لإرضاء الناس أو شكرهم ولكن إذا اطلع عليه أحد من الخلق ورآه على الطاعة وقع ذلك في نفسه موقع الرضا والقبول.
وكل صور الرياء مرفوضة شرعا غير أن أسوأها وأقبحها أن يفعل الانسان ما افترض الله عليه ليتقرب به إلى خلقه وينسى ربه، وأن يعمل من الطاعات ما يعمل طالبا مئارب دنيوية زائفة، ومستغنيا بذلك عن ثواب الله العظيم وجزائه الباقي ونعيمه المقيم.
حكم الرياء في الإسلام
الإخلاص في العمل شرط من شروط صحته وقبوله، هذا من القواعد الإسلامية المسلم بها، والتي لا خلاف عليها، أما اشراك غير الله في العمل فهو شرك أصغر، ومما يدل على ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:(قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).
خطورة الرياء وقبحه على ضوء الكتاب والسنة
من أخطر ما في الرياء وأبشع ما قيل فيه أنه ينطوي على معنى الشرك بالله، والعياذ بالله فيرد الله على العبد أعماله ويحبطها، فلا يثاب عليها بل يعاقب ويجازى شر الجزاء، ومن خطورته أيضا أنه يختلط على الإنسان ويشوه إخلاصه فقد يلقي به الشيطان في قلب العبد فيلهيه عن الغاية الأعظم من الطاعات العبادات، فيصبح من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنن صنعا.
وقد بين لنا الكتاب والسنة مظاهر الرياء وعلاماته وخطورته وحكمه و نفرا منه أشد تنفير، وحذرا من الوقوع فيه أشد تحذير، حتى لا يكون للعباد حجة فيما أصاب القلوب من هذا الداء المهلك، وحتى يراقب المرء نفسه ويخلص لله نيته قبل أن يدركه الأجل وهو على هذا الحال من الضلال الكبير والخسران المبين، ومما ورد في القرآن الكريم في هذا الصدد قول الله عز وجل عن المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).
ومن السنة ما روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- (من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل يقول: أنا خير خصيم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئاً فإن جِدَة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني).
ومنه أيضا حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل)، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن من صور الرياء ما قد يطرأ على الإنسان أثناء قيامه بالعمل، ويجب في هذه الحالة أن يستعيذ من الشيطان الرجيم ويستغر الله العظيم، ويبقى على ما هو عليه أو أن ينصرف عنه إلى غيره، حتى يتق شر تلك الفتنة الكبرى، التي تضيع معها الأعمال هباء منثورا.