إن من أسماء الله الحسنى وصفاته عز جل أنه الكريم والمعطي والمنعم والجواد، وكلها أسماء صفات تنطق بمعاني العطاء والكرم اللا محدود، قد استن النبي صلى الله عليه وسلم بسنة الله في الجود والكرم، فكان النبي من اجود الناس وأكثرهم عطاء وسخاء، ولا عجب فإن النبي -صلى الله عليه سلم- جمع من الصفات أرقاها من المكارم أعلاها وأقواها، ومما ورد في شأن سخاء النبي-صلى الله عليه وسلم وكرمه- ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- حيث قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريلُ يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير مِن الريحِ المُرسَلة”؛ وهذا الحديث متفق عليه.
ولأن الكرم لا يكن إلا من نفوس قانعة غنية مستغنية، لا يتصف به إلى أهل المكارم والسمو والنبل فقد حرم منه البعض وافتقروا إليه، فلا يرون إلا ممسكين مقترين يخشون الإنفاق كما لو ان مدد الله منقطعا ورزقه نافذ، فيستوجبن ببخلهم ذم الخالق والخالق، وسوء العاقبة وفوات السعادة، فهم يكنزون جل ما تناله أيديهم ويحرمون أنفسهم من رفاهية الإنفاق الاكتفاء، يبخلون على أنفسهم بأجر الإعطاء الذي أعده الله للكرام والمنفقين وأهل السخاء.
ذم البخل في الكتاب والسنة
البخل هو امتناع الإنسان عن الإنفاق، وكراهية إخراج المال، بدافع من خوف قلته او نقصه، تصور واهم ن البخل خير له وأنه ادخار وحفظ لماله، ولكن هذا المعتقد خطأ كبير، فإن البخل شر يلحق بالمرء ولا يحفظ المال، قد ذم القرآن الكريم البخل ووصفه بأنه شر وليس خير ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]، وهذا تصريح قرني بأن البخل عاقبته سوء في الدنيا والآخرة، ومما يقال في هذا الشأن: (عجبا للبخيل، يعيش عيش الفقراء يحاسب حساب الأغنياء).
أما السنة النبي فقد أوردت لنا عدة نصوص في هذا الشأن تتفق جميعها على ذم البخل التنفير منه، وتبين سوء عقبة البخلاء، ومن ذلك قول النبي -صل الله عليه وسلم-: «وإِيَّاكُمْ والشُّحَّ ، فإنَّهُ دعا من كان قبلَكُمْ فَسَفَكُوا دِماءَهُمْ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَقَطَّعُوا أَرْحامَهُمْ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَاسْتَحَلُّوا حُرُماتِهمْ»، ولأن البخل هو دافع نفسي قوي جدا، وله سلطان عل البخلاء فقد استعاذ منه النبي -صلى الله عليه سلم- فكان يدع الله قائلا: «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى ارذل العمر».
لما استوجب البخل كل هذا الذم؟
البخل من الصفات المقيتة التي متى اتصف بها الإنسان حرم كثيرا من خيرات الدنيا والآخرة، وجنى عاقب سيئة ومخزية، ومن ثم فإن من أهم الأسباب الداعية لذم البخل ما يلي:
- البخل يوجب بغض الناس ويجعلهم ينفضوا من حول الإنسان، ويزهدون في صحبته ويجتنبوه، فالبخيل لا يرجى نفعه ولا مساعدته في شدة ولا ترجى مرؤته.
- البخل نقص في الرجولة، فالبخيل لا يقدم على خير ولا يبادر بمعروف ولا يتورط في قضاء حاجة لمحتاج أو فقير.
- البخل ينافي الإيمان ولا يتفق معه، لأن البخل ينطوي على معنى عدم الثقة بما عند الله من رزق، وينطوي على معنى الامتناع عن مساعدة الخلق، فيه مخالفة لأمر الله عز وجل، ومما يدل على ذلك – ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم-: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق».
- البخل قمة الحمق، وهو ينافي العقل والحكمة، إذ كيف يفني الإنسان عمره في الكسب الكد ولا يتمتع بما جمع، ولا يقدم لنفسه ما ينفعه في الآخرة.