بعنوان: أعظم نعمة؛ نقدم التُحفة المنبرية لهذا الأسبوع، وهي هديَّة لكل إمام وخطيب يبحث عن خطب جمعة جديدة مؤثرة ليقوم بتحضيرها، ومن ثَم كتابتها وإلقاءها على منابر الجوامع.
الخطبة ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي —جزاه الله خيرا— لكنها اليوم تُوفَّر لكم مكتوبة كاملة، جاهزة للقراءة أو الطباعة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد.. فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
الخطبة الأولى
أيُّها المؤمنون… إن الله له أمرنا بشكره فقال: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة]، وقال ﷻ: ﴿وذُرِّيَّةً مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء]؛ أي أيها الذرية الباقية من بعد نوح؛ اعلموا أن أباكم نوحًا كان شاكرا لربه ﷻ، فاستنوا بسنة أبيكم، وكونوا شاكرين لربكم ﷻ. وإن مما يعين على شكر النعم تفقدها ومعرفتها، فكم من نعمة يتربع الإنسان فيها ويتفيأ ضلالها، لكنه لا يقدر قدرها، ولا يعرف حقها، فلا قدرة له حينئذ على شكرها، وإن أولى النعم بالتفقد، وأحقها بالترصد نعم الله الجليلة علينا.
ألا وإن أجل نعمة أنعم الله ﷻ بها علينا أن جعلنا مسلمين، فإن الإسلام الذي تتفيأ ظلاله بمولدك مسلما فيه ووراثتك ذلك أبا بعد أب لهو نعمة عظيمة أنعمها الله ﷻ بها عليك؛ كلا بل هي أجل نعمة أنعم الله ﷻ بها عليك؛ فلم يجعلك الله يهوديًا ولا نصرانيا، ولا مشركا وثنيا؛ ولكن جعلك حنيفا مسلما.
وقد امتن الله عن علينا بهذه النعمة فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
والنعمة التي أتمها الله ﷻ علينا هيا النعمة الدينية الروحانية أن جعلنا الله ﷻ مسلمين.
وقال ﷻ: ﴿قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّنَكُمْ﴾ [يونس: ١٠٤]، فمن فضل الله عليك أن لم يجعل قلبك معلقا رغبة ورهبة بصنم ولا وثن ولا حجر ولا شجر.. ولا غير ذلك من المحقرات؛ بل مزار قلبك ونياط عبوديتك هو الله ﷻ ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولا يعرف قدر هذا إلا من تشعب قلبه بعبادة غير الله ﷻ، فإن الذي يخرج من دين كان فيه فيدخل في دين الإسلام يؤنس لذة الوحدانية بعبادة الله ﷻ وحده لا شريك له، قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحديد].
فمن بركة دين الإسلام علينا أن يضاعف الله ﷻ أجورنا، وكيف لا يكون كذلك وهذه الأمة المرحومة تعمل قليلا وتؤجر كثيرا، كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر —رضي الله عنهما— أن النبي ﷺ قال: مثلكم ومثل أهل الكتابين كرجل استأجر أجراء.
فقال: من يعمل لي من غُدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود.
ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم.
فغضبت اليهود والنصارى؛ فقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ فقالوا: لا، فقال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء».
فتفضل الله ﷻ علينا بأن جعل لنا مضاعفة الأعمال، وجعل لنا نورا نمشي به في الناس.
وفي ذلك يقول النبي ﷺ كما في «الصحيحين من حديث أبي هريرة: «نحن الآخرون السابقون» يعني نحن آخر الأمم وجودا؛ ولكننا أسبقهم إلى رب العالمين منزلة. فهذه الأمة جاءت آخرًا لكن الله ﷻ يقدمها فتكون أول الأمم التي تدخل الجنة، روى الترمذي من حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده معاوية —رضي الله عنه— أن النبي ﷺ قال: «إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ﷻ».
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
وهذه أيضًا خطبة: ألفاظ تخالف العقيدة – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا حمدا، والشكر له تواليا وتترى..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حقا، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. أيُّها المؤمنون.. إنَّ هذه النعمة العظيمة نعمة الإسلام التي جعلكم الله ﷻ فيها لم تكتسبوها بألوانكم ولا بقوة أبدانكم، ولا بفصاحة لسانكم، ولا بكثرة أموالكم، ولا لتقدمكم بين الأمم حضارة؛ ولكن الله ﷻ من عليكم فاصطفاكم بهذا الدين العظيم، وجعل حظكم من الأديان دين الإسلام الذي تعبدون فيه الله، فترضون به ربا وبالإسلام دين وبمحمد ﷺ رسولا = فاعرفوا قدر نعمة الله عليكم، وقوموا بشكرها، وتمسكوا بها، واعلموا ان الله لا يرضى غير هذا الدين دينا، كما قال ﷻ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ۱۹]، وقال ﷻ: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَسِرِينَ﴾ [آل عمران].
فقوموا بحظ هذه النعمة من شكرها، واعرفوا قدرها، واحمدوا ربكم الله عليها، واعلموا أنه يصل إليكم من أنواع الإحسان وصنوف الامتنان في الدنيا والأخرى ما لم يكن كذلك إلا بدين الإسلام. واعلموا رحمكم الله أن التمسك في ذلك في أزمنة الفتن وكثرة الأهواء أشد احتياجا في حق العبد، فإن الفتن التي تموج بالناس، فتخرجهم من الدين كما أخبر نبيكم فيصبح أحدهم مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، أحرى بأن تدعو العبد إلى أن يتمسك بالدين الذي امتن الله به عليه.
وإن أخسر الناس من يفيض الله عليه نعمته، ثم يحجز وصولها عن نفسه، فلا يكونن أحد منكم كذلك، فإنَّه الحرمان العظيم والشَّرُّ المستبين.
كما تجد لدينا هنا: خطبة عن جريج العابد «دروس وعبر» – مكتوبة
الدُّعـاء
- اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
- اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.
- اللهم أحينا على الإسلام والسنة، وتوفَّنا على الإسلام والسنة.
- اللهم آمن المسلمين في دورهم، وأصلح أئمتهم وولاة أمورهم، اللهم إنَّا نعوذ بك من شر الأشرار وكيد الفجار، اللهمَّ إِنَّا نعوذ بك من شرورهم وندرأُ بك في نحورهم.
- اللهمَّ هيّئ لنا من أمرنا رشدا وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
- اللَّهمَّ نفس كرب المكروبين وفرج هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، وأطلق أسرى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥].