خير يوم طلعت عليه الشمس. نعم؛ أعتقد أنكم قد تأكدتُم أن خطبتنا اليوم ستكون عن يوم الجمعة نفسه. وما وَرَدَ عنه من فضائِل وأحكام ذكرها المولى ﷻ في القرآن الكريم، ونبيّه المصطفى ﷺ في السُّنَّة النبوية المُطهَّرة.
فتفضلوا بمتابعة الاطلاع؛ واسألوا الله ﷻ الفَهم والاستيعاب.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، فضل شهورا على شهور وأياما على أيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الآلاء والعطاء والإنعام، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، من آتاه الله الوسيلة والفضيلة ورفعه إلى أعلى مقام، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المهتدين الكرام.
أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله –؛ فإن الله مع الذي اتقاه ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: إن هذا الدين الحنيف دين يريد للإنسان أن تتجدد عنده أيام الفرح، وتتعدد أيام الأنس والسعادة؛ لأن الفرح وراحة البال وطمأنينة النفس مقاصد راعاها الإسلام، فالإسلام جاء ليرفع عن الإنسان الشقاء والحزن، فكانت البشارة من الله لنبيه محمد ﷺ ولأتباعه ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾، نعم، هناك يوما الفطر والأضحى مرة كل عام، ولكن الله جعل يوما أسبوعيا سماه النبي ﷺ عيدا، إنه يوم الجمعة، ففي الأثر عن رسول الله ﷺ: «يوم الجمعة عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده»، بل إن النبي ﷺ ندب الناس أن يتخذوا ثيابا خاصة لهذا اليوم ابتهاجا به، وتمييزا له وبيانا لشأنه؛ فعن عبد الله بن سلام أنه سمع النبي ﷺ على المنبر يوم الجمعة يقول :«ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته».
ففي هذه المراشد – عباد الله – ما يدعو المؤمن إلى أن يجعل لهذا اليوم خصوصية، وينبغي للآباء والأمهات أن يغرسوا تلك الخصوصية لهذا اليوم في نفوس أولادهم؛ فإن تعظيم هذا اليوم المبارك من تعظيم شعائر الله، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، والمستشعر أن هذا اليوم خير يوم طلعت عليه الشمس وأنه من أفضل أيام الله تجده يحسب لهذا اليوم حسابه؛ فيكون يوم بر ومعروف، وصلة وطاعة.
ولما كان هذا اليوم على هذه الصفة من الأفضلية كان مطلوبا من المؤمن أن يعامله معاملة خاصة، وأن يكون له فيه استعداد خاص، فكان لهذا اليوم غسل مخصوص، ويندب للإنسان أن يمس من أحسن طيبه، وأن يلبس أحسن ثيابه، ومن قرأ في هذا اليوم المبارك سورة الكهف كان له من الأجور ما تقر به نفسه، ومن بشارة النبي ﷺ في هذا الشأن قوله: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين»، فطوبى لمن وفق ليكون من زمرة من ينال هذه الدرجة، ويكون من أهل ذلك المقام ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
أيها المؤمنون: لقد نادى الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، فمن كان سريع الإجابة كان أوفر حظا بالأجور، وكان في أوائل المسجلين في صحف الملائكة عليهم السلام؛ فإن الملائكة لها صحف تسجل فيها المجيبين النداء الأول فالأول حتى يحضر الإمام للخطبة، فإذا حضر الإمام رفعوا صحفهم.
وإن من وفاء الملائكة لمن كان في أوائل الحاضرين ففقدوه في جمعة من الجمعات أن يسأل عنه بعضهم بعضا شوقا إليه، ولا يكتفون بالسؤال عنه فحسب، بل يدعون له بكل خير؛ ففي الأثر: «تبعث الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة، يكتبون مجيء الناس، فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام، فتقول الملائكة بعضهم لبعض: ما حبس فلانا؟ فتقول الملائكة: اللهم إن كان ضالا فاهده، وإن كان مريضا فاشفه، وإن كان عائلا فأغنه».
ولما كان الحال على هذه الصفة من المنزلة أمر الله عباده ألا يشغلهم عن نيل تلك الدرجات شاغل، فقال لهم: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فالكيس من اغتنم الفرص، فإن من الفرص ما لا يفوت، ويمكنه بعد تلك اللحظات أن يقوم إلى عمله مبتغيا من فضل الله، مشمولا بعنايته ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله –، واعلموا أن هناك آدابا حسانا يريد منا نبينا ﷺ أن نلتزمها كبارا وصغارا، ومن تلك الآداب البكور إلى الجمعة، ومن فاته البكور فليس له أن يتخطى رقاب الناس؛ ففي ذلك إيذاء أيما إيذاء، بل عليه أن يجلس حيث وجد مكانا ليستمع إلى الخطبة، والإنسان ملزم باستماع الخطبة، وليس له أن يتكلم والإمام يخطب، فإن تكلم فقد لغا، ولو قال لصاحبه: أنصت؛ فعن رسول الله ﷺ: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت»، وقوله: «فقد لغوت» أي ذهب أجر جمعتك – والعياذ بالله –، ومن السنة قصر الخطبة وطول الصلاة، ففي الحديث عن رسول الله ﷺ: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه».
وإن في يوم الجمعة – أيها المؤمنون – ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وقد أخفيت ليجتهد المجتهدون، ويلتمسها الموفقون، وقد جاء في بعض الآثار أنها الساعة التي بعد صلاة العصر، ففي الأثر: «التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس»، وإن من البشارات في شأن هذا اليوم وشأن الصلوات الخمس قول النبي ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر».
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
المزيد من الخُطَب عن يوم الجمعة أيضًا:
- ↵ الأولى: خطبة اليوم بعنوان: من مقاصد أحكام يوم الجمعة
- ↵ الثانية: خطبة عن فضل يوم الجمعة «سيد الأيام»
وإذا أردتم المزيد من الخُطَب المنبريَّة المُتعلقة بخطبة اليوم؛ فاطبوها في التعليقات أدناه.