عناصر الخطبة
- نعمة النفحات الإيمانية، والنسمات الربانية في مواسم الخير.
- وجوب ولزوم شكر الله ﷻ على نعمائه وجزيل عطائه؛ ليرزقنا المزيد من فضله.
- نهى الإسلام عن الإسراف ومقابلة نعم الله السابغة بإتلافها.
- من مساوئ الإسراف أنه يؤدي بصاحبه إلى الكِبر على الناس.
- المعصية من أخطر أنواع الاسراف.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
من فضل الله ﷻ أنَّ المسلمين يتعرضون في كل عام لنفحات إيمانية، ونسمات ربانية في مواسم الخير العظيمة التي جعلها الله عز وجل فرصة لعباده المؤمنين، يتزودون فيها بالطاعات والأعمال الصالحات، ففي هذه الأيام المباركات أيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى المبارك والتي ذكرها ربنا ﷻ بكتابه العزيز أنها أيام معدودات، في قوله ﷻ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ البقرة: 203. ليخبرنا عز وجل بأن هذه الأيام جاءت بعد الأيام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة، وهي قلائل في العدد، عظيمة في الأجر والثواب، قد حبانا الله ﷻ بها لتكون لنا أيام ذكر وشكر، أيام ذكر لأنّ المسلم يظل لسانه رطباً بذكر الله في كل أحواله، في السراء والضراء. وهي أيام شكر لله ﷻ على ما رزقنا ربنا سبحانه من نعمه الظاهرة والباطنة التي لا تحصى أبداً، قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ البقرة: 172.
ولتحقيق العبودية لله ﷻ حريٌّ بنا أن نشكر الله ﷻ على نعمائه وجزيل عطائه؛ ليرزقنا المزيد من فضله سبحانه: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ سورة إبراهيم: 7، فهذه الأيام أيام فرح وخير وبركة، نأكل فيها ونشرب ولا نسرف، ونستمتع بكل ما أباحه الله ﷻ من طيب الطعام والشراب، قال ﷺ: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» سنن أبي داود.
ولا ريب أنه لا يليق بالمسلمين أن يقابلوا نعم الله السابغة بإتلافها والإسراف فيها، فقد نهى الله ﷻ عباده عن الإسراف في المأكل والمشرب، وفي كل شؤون حياتهم، لأننا أمة الاخلاق والسلوك في كل مناحي حياتنا، فالرسول ﷺ هو الأسوة الحسنة لنا في ذلك، قال الله ﷻ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سَرفٌ ومخيلة.
قال ﷺ: «كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ» صحيح ابن ماجة، وقال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.
وقد حذرنا الله ﷻ من الشح، كما حذرنا من الإسراف في قوله ﷻ: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ الاسراء: 29
على المسلم أن يلتزم بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر.
عليك بأوساط الأمور فإنَّها
نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعباُ
ومما يفطر القلب حزناً وكمداً أننا نرى الطعام والشراب في هذه الأيام المباركة يلقى على قارعة الطريق أو في سلات المهملات ويحرم منه الفقراء والمساكين والمحتاجون، مخالفين بذلك الصفات الطيبات في قول الله عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ الانسان: 8، وهذا عمل عظيم وباب كريم من أبواب الخير في تحقيق التكافل الاجتماعي بأبهى صوره ليصبح مجتمعنا الأنموذج الذي يحتذى به.
ومما لا شك فيه أن الإسراف من العادات السيئة والمذمومة، ونحن مأمورون بالاقتصاد في أمور حياتنا كلها لا إفراط ولا تفريط، وقد جعل الله ﷻ المنهج الوسط من صفات عباده المتقين قال الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ الفرقان: 67
ومن مساوئ الإسراف أن يؤدي بصاحبه إلى الكبر على الناس، فإذا أُعجب بنفسه ضيع نفسه؛ لأن الكبر يهدم الأعمال، قال الله ﷻ: ﴿كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ العلق: 6، 7. بل إن مآل المتكبرين يوم القيامة أنهم يُحشرون كالذر في الصغر، قال رسول الله ﷺ: «يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان…الحديث» اخرجه الترمذي وأحمد، جزاء وفاقاً لأنهم تكبروا على عباد الله، وأسرفوا في تعاليهم عليهم، والإسراف سبب رئيس من أسباب دمار الأمم والمجتمعات وهو كذلك سبب من أسباب فقدان النعم، وقد قال بعض العلماء قلما نعمة ذهبت عن قوم وعادت إليهم، فنسأل الله ﷻ أن يحفظ علينا نعمه، وأن يجعلنا من الشاكرين الله لتدوم النعم.
عباد الله: إن المعصية تعد من أخطر أنواع الاسراف فإذا أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي، فعليه أن يتوب من إسرافه في المعاصي فوراً مع الندم قبل أن تأتي الشمس من مغربها فيغلق باب التوبة، قال الله ﷻ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ الزمر: 53، 54.
⇐ وهنا تجِد –يا إمام– أيضًا: خطبة عن خطورة الإسراف وعاقبة المسرفين.. ﴿ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: ﴿أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه﴾، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب،33: 43.
ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه.
ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر»، ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي».
وعليكم أيضا بــ «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين..
⇐ استمر وطالع أيضًا هنا: خطبة عن الإسراف والتبذير – مكتوبة/مشكولة