هنا أتينا ومعنا هذه المباركة. خطبة وقفات قبل رمضان التي نوفرها لكم أدناه تتناول العديد من النقاط التي يجب أن يراعيها المسلم في استقباله لهذا الشهر المبارك. مع العديد من الوقفات التي يجب علينا كمسلمين الانتباه لها والحذر منها وأن نعمَل على استيعابها في مُسْتهَل استقبالنا لهذا الشهر الكريم.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونتوكل عليه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنه وعفوه وكرمه.
أما بعد فيا عباد الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ نستقبل وإياكم شهرا كريمًا مباركا. يحِل علينا غدًا أو بعد غدٍ. أسأل الله ﷻ بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن يبلغ وإياكم رمضان، وأن يعيننا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا. وأن يجعلنا وإياكم فيه من المقبولين.
عِباد الله؛ كان رسول الله ﷺ يُبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان. يقول ﷺ -كما جاء في مسند الإمام أحمد ورواه النسائي بسند صحيح- «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، و تغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
يقول ابن رجب “رحمه الله”: كيف لا يفرح المؤمن. بشهر تُفتح فيه أبواب الجِنان. وكيف لا يفرح العاصي المُفرط والمذنب بشهر تغلق فيه الشياطين. وكيف لا يفرح العاقل بشهر تُغَل فيه الشياطين.
فأي زمان يشبه هذا الزمان يفرح المؤمنون بهذا الشهر، بشهر الخيرات والبركات، بشهر تكفير السيئات، بشهر رفعة الدرجات. يعلمون أن الله ﷻ اختص هذا الشهر على سائر الشهور. يعلمون أن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه.
يعلم المؤمن أن من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه. يعلم المؤمن أن في رمضان ليلة القدر وأن من قامها غُفِر له ما تقدم من ذنبه.
كيف نستقبل الشهر الكريم!
أيها الفضلاء مما يعين على استغلال هذا الشهر أمور؛ منها:
أولا أن نحمد الله ﷻ أن أكرمنا واصطفانا بهذا الشهر الكريم وأن بلَّغنا هذا الشهر المبارك. كم من شخصٍ تحت الثرى يتمنى أن يصلي مع المصلين وأن يصوم مع الصائمين وأن يقوم مع القائمين! كم من شخص معنا في العام الماضي وكان عنده آمال عريضة أنه يعيش لسنوات طويلة وأنه يدرك رمضان ورمضان وهو رهين عمله تحت الثرى! كم من شخص موجود ولكنه يتقلَّب على الأسِرة البيضاء، لا يستطيع أن يصوم ولا أن يقوم رمضان.
فمما يساعدك يا عبد الله أن تستغل هذا الشهر أن تحمد الله بقلبك ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾. وأن تُكثِر من الثناء على الله -جل في علاه- وأن تشكر الله في جوارحك؛ بأن تسخرها في هذا الشهر الكريم بعِبادة لله ﷻ. وأن تسابق مع المساقين، وإن تنافس مع المنافسين، وأن تنتهي عن معصية الله -جل في علاه-.
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. استعد يا عبد الله لشهر رمضان بأن تُغير ما بنفسك.
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ هذه الحكمة العظيمة من صيام شهر رمضان.
ومما يُسْتَقبل به هذا الشهر المبارك -يا عباد الله- أن نبادر إلى التوبة قبل رمضان. كل منا يقع بالذنوب، وربنا -جل في علاه- يقول ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
الذنوب -يا عباد الله- تحول بين العبد وبين طاعة الله. جاء رجل إلى الحسن البصري “رحمه الله”؛ وقال: إنني أجهز طهوري واستعِد لقيام الليل ولا أقوم. قال: قيدتك ذنوبك.
فأكثروا -يا عباد الله- من التوبة والاستغفار. لأن الذنوب تحول بين العبد وبين طاعة الله ﷻ. ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
ومما يُسْتَقبل به هذا الشهر العزيمة الصادقة. أعزم على أن يكون هذه السنة رمضان عندك أفضل من السنوات الماضية. إعقد العزم مع ربك ﷻ أن يتميَّز رمضان عندك في هذه السنة بكَثرة الخيرات والمُسابقة إلى رَب الأرض والسماوات. واعلم بأن رمضان أيامٌ معدودة وإياك والتفريط. اجعل لنفسك برنامجًا واكتبه وألزِم نفسك به. وحاسب نفسك وقيمها.
إن أردت أن تستفيد من رمضان. لا تسوف. لأن الأيام والليالي تمضي سريعًا. فعليك بعقد العزم -يا عبد الله- أن تستغل هذا الشهر المبارك. وتعلم أن العمر لا بد أنه سينتهي. وأن الأيام تمضي وأن الصحة تتغير.
جاء رجل إلى النبي ﷺ. وطلب منه الوصية فقال -كما في حديث ابن عباس عند الطبراني وصححه الألباني- فقال له النبي ﷺ «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
هذه الامور لا بد ان تتغير. الشباب يعقبه الكِبر والهرم. والصحة يعقبها يعقبها المرض. نعم -يا عباد الله-؛ اعتبر وشاهدوا يمنة ويسرة. وخذوا العبرة لأنفسكم. لا بد أن نستغل هذه النعم. ورسولنا ﷺ يقول -كما جاء في صحيح البخاري– «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». إي وربي إنه غبنٌ أن يكون الإنسان عنده صحة وعنده فراغ. ويضيعها بالسهر على ما يغضب الله ﷻ. ويفرط بالساعات الثمينة، لأن الوقت -يا عباد الله- هو رأس مال الإنسان.
ومما يُسْتَقبل به أيضًا هذا الشهر -يا عباد الله- أن نتعلم أحكامه. لأن العبادة لا بد أن يتوفر فيها شرطان أساسيان. الشرط الأول: الإخلاص لله. والشرط الثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ. ولا يمكن أن تتم المتابعة إلا بالعلم الشرعي. يعرِف المسلم ما هي مفطرات الصيام؟ يعلم المسلم ما هي الاشياء التي تبطل صيامه؟ وما هي الأشياء التي تنقص صيامه؟
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة. واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد إذا رضيت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وقفات قبل رمضان
أما بعد؛ فيا عباد الله. اتقوا الله حق تقاته. واعلموا -يا رعاكم الله- أن مما يعين على استغلال هذا الشهر الكريم أن نتوجَّه إلى الكريم ﷻ وأن نكثر من الدعاء بأن الله ﷻ يعيننا على قيام رمضان وعلي صيامه على الوجه الذي يرضيه عنا.
أكثروا -يا عباد الله- من قول: اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك. أكثروا من هذه الدعوات في أوقات الإجابة. في أدبار الصلوات. والله ﷻ لا يخيب من دعاه. ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾. ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
وإذا رأى ربنا ﷻ من عبد صدقا أعانه، وحقَّق مراده. ألا ترون -يا عباد الله- إلى الرجل الذي عاهد النبي ﷺ على الجِهاد. وتمنَّى أن يدخل سهم من هنا ويخرج من هاهنا. فحقق الله مراده. لأن من صدق مع الله صدق معه. فمن صدق مع الله ﷻ ونوى النية الطيبة، فإن الله ﷻ يعينه. ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾.
ونية المؤمن خير من عمله. ينوي العمل الصالح في هذا الشهر الكريم، وأن يغير من حياته. من وقع بذنبٍ من الذنوب؛ على سبيل المثال، التدخين. -عافى الله كل مبتلى به- يعاهد ربه أن يتخلص منه. هو يستطيع أن يتخلص منه في نهار رمضان. لماذا لا يجاهد نفسه على التخلص منه في ليل رمضان؟ والله ﷻ يقول ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
فرمضان مدرسة إيمانية، يخرج منها المسلم بزيادة بإيمانه، بزيادة بتقواه. يتغيَّر من واقعه، ويتقرب إلى ربه ﷻ.
واحفظوا -يا عباد الله- جوارحكم من معصية الله ﷻ لا سيما ما يُعرَض عبر القنوات الساقطة الهابِطة، التي أسأل الله ﷻ في هذه الساعة المباركة لأهلها. إن كان في سابق علم الله أنهم يهتدون أن يُعَجل بهدايتهم. وإن كانوا غير ذلك أن الله ﷻ يريح البلاد منهم ومن شرهم وأذاهم.
نشروا الفساد بهذا الشهر الكريم يستعِدون -والعياذ بالله- ليصدوا عباد الله عن طاعة الله ﷻ. اتق الله يا عبد الله؛ بسمعك وبصرك. ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾.
الدعاء
اللهم يا حي يا قيوم، يا عزيز يا جبار يا قهار؛ نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، أن تجعل هذا الشهر الكريم شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين.
اللهم يا حي يا قيوم، انصر أهل السُّنَّة. اللهم انصرهم في الشام والعراق. اجمع قلوبهم ووحد صفوفهم يا حي يا قيوم.
اللهم يا حي يا قيوم؛ نسألك يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، أن تجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين. اللهم اجعلنا فيه من المرحومين. اللهم اجعلنا فيه من الفائزين.
اللهم أعنا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم بيّض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، واجعلنا ممن يبشر بروح وريحان ورب راضٍ غير غضبان.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد.
ختامًا، فقد قدمنا لكم أعلاه خطبة جمعة مكتوبة بعنوان: وقفات قبل رمضان. تحدَّث فيها الشيخ الدكتور عبد العزيز الفايز -بارك الله فيه- عن بعض النقاط والوقفات الهامة عند حلول هذا الشهر الفضيل. كما ساق لنا أجوبة لسؤال: كيف نستقبل الشهر الكريم!