خطبة: وقت أبنائنا بين الاستغلال والإهمال – في الصميم

خطبة: وقت أبنائنا بين الاستغلال والإهمال - في الصميم

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي حض على استغلال الأوقات، وجعلها وسيلة إلى بلوغ الجنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، الحريص على وقته، النافع لأمته، ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله تقوى العارفين، واستغلوا أوقاتكم كل حين؛ فإنها عدتكم، وسبيل نجاتكم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون: اعلموا -شغل الله وقتكم بطاعته- أن للوقت قيمة، وللانتفاع به مزية عظيمة، ولفضله أقسم الله به في عدد من الآيات، من ذلك قوله: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾، وفي سنة الحبيب المصطفى ﷺ ، جاء عنه ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ».

ولأن ما يذهب من العمر لا يرجع؛ كان العقلاء حريصين عليه حرصهم على حياتهم، فإن انتفعوا به فرحوا، وإن ذهب دون استغلال حزنوا؛ إذ لم توص السنة النبوية باغتنامه سدى، ولا حضت عليه عبثا، بل لأن استغلاله قائد إلى الجنات، والحيدة عن ذلك حسرات أي حسرات، جاء في الحديث: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، ولعظم أمر الوقت جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.

معشر الحريصين على الوقت: للانتفاع بالوقت وسائل كثيرة، وطرق متعددة، فمن أولى ما ينبغي للمسلم تعلمه وتعليمه أولاده، الصلاة؛ فقد جاء عنه: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين»، وكتاب الله المجيد الذي قال عنه المصطفى: «علموا أولادكم القرآن؛ فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو»، فإن الولد -الذكر والأنثى- إذا نشأ على كتاب الله نشأ صالحا بارا لوالديه، عاملا بأوامر ربه، مجتنبا نواهيه، وفي الحكمة: «من شب على شيء شاب عليه»، وليستغل الولد وقته في المفيد، وليغتنمه في النافع، ومن ذلك القراءة النافعة، والاطلاع في مختلف المجالات؛ فإن القراءة تغذي الروح، وتنمي الفكر، وتفتح العقل، وليجعل أول ما يطالعه ما ينفعه في دينه؛ فإنه «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، ثم ليقرأ بعد ذلك ما شاء مما هو نافع.

وكذلك على النشء أن يستغلوا وقتهم بتعلم المهارات؛ كالسباحة، والرماية، واستعمال الحاسوب، والتسوق الإلكتروني الآمن، وتعلم مبادئ العلوم؛ كالزراعة، والاقتصاد، وغيرها.

ومما ينبغي أن يحرص عليه المربون أن يغرسوا في أولادهم الأعمال المجتمعية التطوعية: ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، بحيث يكون لهم دور في المجتمع، في عون المحتاج، وتعليم الناس، وكفالة اليتيم، ونشر المحبة، والمشاركة في أعمال الأندية، والمراكز العلمية.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

وهذه أيضًا ⇐ خطبة: عناية الإسلام بالوقت – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي حبب إلى عباده الطاعات، وكره إليهم ضياع الأوقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ وعلى آله أجمعين.

أما بعد، فيا عباد الله: اعلموا أن لعدم استغلال الوقت آثارا، ونتائج وأضرارا، فمن ذلك أن الوقت إن لم يستغل ذهب غالبا في غير نفع، وعدم استغلال الوقت يؤدي كذلك إلى أن يكون الولد فارغا، والفراغ مظنة مجيء الأفكار الخاطئة، كأن يوسوس له الشيطان في معتقداته وسلوكه، وما أكثر ما وقع الفارغون في المحظورات، كصحبة الفاسدين، أو ارتكاب المخالفات الشرعية والقانونية؛ كتناول المسكرات، أو إيذاء المارة بسيئ العبارات، أو إزعاج الجيران بضجيجهم، وشغل المجتمع بكثرة مشكلاتهم، و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

ولذلك تضاعفت المسؤولية الأسرية والمجتمعية في عصرنا الحاضر نظرا إلى كثرة التحديات التي تواجه المربين وتواجه النشء؛ فالانفتاح العالمي فرض أبعادا متعددة علينا – آباء وأبناء – للمحافظة على قيمنا وهويتنا من الذوبان في أفكار تؤثر فينا سلبا، لذا كان علينا توجيه البوصلة نحو استغلال الأوقات وحماية الأجيال من الوقوع في السيئات.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على الأوقات، فإن استغلالها سبيل الجنة، وطريق الوصول إلى القمة.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: