لدينا اليوم شيءٌ مميَّز بحَق، انها خطبة وطنية عن المملكة العربية السعودية، قصيرة إذا تَم تجاهل المقدمة والدعاء الذي في نهايتها، وطويلة إذا أُخِذَت كامِلة.
إن القاء خطبه وطنية من على المنابر في المساجِد أو من خلال الإذاعة المدرسيَّة أو حتى من خِلال تجمعات مباركة وجلسات طيّبة؛ لهو أمرٌ رائِع. فما أجمَل أن نُذَكِّر أنفسنا والعالم أجمَع بفضل وبركة هذا الوطَن العزيز على قلوبنا جميعا.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. اللهم اهدنا يا رب، اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، ولا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
نشهد أنك لا إله إلا أنت سبحانك أنا كنا من الظالمين.
ونصلي ونسلم على خير خلقك، اللهم صل وسلم وبارك وزد وأنعِم عليه، صلاة وسلامًا لا تنفد ولا تبيت؛ اللهم صل عليه صلاة تكفينا بها الهموم، وتغفر بها الذنوب، وتبلغنا بها محبته وشفاعته ومجاورته في أعلى جنان الخلد برحمتك يا رب العالمين.
أما بعد، عباد الله، فأوصيكم ونفسي بخير الوصايا وأجمعها، خير ما يخرج به الإنسان من دنياه، ويُقدِم بها غدا على ربه ومولاه، تلكم هي التقوى.
يقول ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}. فاللهم ارزقنا تقواك حتى نخشاك كأننا نراك، وأسعدنا بحبك ورضاك يا رب العالمين.
الخطبة الأولى
أيها الكِرام، حديثنا اليوم بحول الله -سبحانه وتعالى- عن الحبيبة، لماذا وكيف نحبها!
إن أيّ سلوك إنساني يقوم به الإنسان يحتاج بشدة إلى أن يُجيب على هذين السؤالين: لماذا وكيف؟
لو فكرنا في الأعمال التي نقوم بها، كلما استطعنا أن نجيب على هذين السؤالين سنؤدي أعمالنا بطريقة مختلفة تمامًا. لماذا نصلي؟ هل نفكر في هذا السؤال! لماذا نصلي؟ لماذا أتعامل مع والديّ بطريقة جيدة؟ لماذا أدرس؟ لماذا أذهب إلى عملي؟
كلما كانت إجابة هذا السؤال قوية في نفسي، كل ما كان الدافع نحو هذا العمل كبيرًا، سوف أؤديه بحماس، سوف أؤديه بإقبالٍ عليه وعدم إدبار.
إن سؤال [لماذا] سؤالٌ في غاية الأهمية. ثم يتبعه [كيف]. أحيانا نحن نقدم كيف على لماذا. كيف أصلي؟ كيف أؤدي عمل بطريقة جيدة؟ كيف أخشع في صلاتي؟ وكيف أتعامل مع والديّ بطريقة جيدة؟ وكيف وكيف؟
لكنها تنبع من أهمية سؤال [لماذا].
ولذلك سنسير على هذه الطريقة في التعامل مع الحبيبة، وهي ليست كأي حبيبة. الحبيبة التي سأتحدث عنها اليوم حبيبة مختلفة تماما.
تلك التي نحبها حبا جما، وهي تملك شغاف قلبي لأنها تستحق ذلك؛ أتعرفون من هذه الحبيبة؟ إنها بلدنا الغالية، إنها المملكة العربية السعودية.
والسؤال المهم: لماذا نحبها؟ لماذا نحبها هذا الحب العظيم الذي يملك شغاف قلوبنا؟
كل الناس في كل الدنيا يحبون بلادهم، نشأوا وترعرعوا فيها وأكلوا من خيرها، فهي فطرة، أن يحب الإنسان البلد التي نشأ فيها.
لكنني أقول أن حبنا لبلدنا حبٌ مختلف عن بقية العالم تماما، حب لا يكاد يجاريه حُب. أتعرفون لماذا؟ لأننا لا نحب بلدنا فطرة فقط؛ بل نحبها فطرةً ودينا. دينًا نتقرب به إلى الله، نعتبره طاعة من الطاعات التي تقربنا منه -سبحانه وتعالى-.
ولماذا؟ بلدٌ فيها خير أرض الله، يخرج منها -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول، وهو واقف بجوار المسعى في منطقة الحزورة، ويقول «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله» انتهى الموضوع، هل بعد هذا البيان بيانًا؟ ويُكمِل ﷺ «ولولا أني أخرجت منك ما خرجت»، وهو حديث في صحيح الترمذي.. أنها خير أرض الله.
ويقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عن المدينة النبوية -على ساكنها خير صلاة وأزكى سلام- «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها»، وهو حديث في صحيح البخاري.
بلدٌ فيها هذين الموطنين العظيمين، كيف لا تتقرب إلى الله بحبها؟ والله -عز وجل- يحبها، ونحن نحب من أحببت يا رب.
إن المؤمن الحق يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغض الله؛ فإنا نُحِب ما أحببت يا رب.
بلدٌ يتقرَّب المسلمون إلى الله بالقدوم إليها ولو مرة في العمر، فتفِد إليها وفود الرحمن وضيوفه من كل حدب وصوب. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عنهم في صحيح النسائي «وفد الله عز وجل ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر»؛ وعند ابن ماجة، والطبراني «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم».
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على استغلال هذه النعمة، نعمة قدوم ضيوف الرحمن إلى هذه المواطن؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم- «اللهم اغفر للحاج ، ولمن استغفر له الحاج»؛ وهو حديثٌ حسن.
وأهل هذه البلاد في كل موطِن يعلنون أنهم يتشرفون بخدمة ضيوف الرحمن لأنهم يعلمون أن دعائهم مستجاب، بل وليس فقط أفراد هذا الشعب، بل يعلن قائِد هذه البلاد أنه خادم للحرمين الشريفين. هل يوجد قائد في الدنيا يسمى نفسه بخادم إلا قائد هذه البلاد؟ خادم للحرمين الشريفين ونحن شعبه نسير من وراءه لأننا نبتغي بذلك وجه الله ونبتغي الدعوة الطيبة من ضيوف الرحمن.
بالله عليكم؛ كم من خير جاءنا في هذه البلاد ونحن لا ندري من أين؟ وقد يكون السبب دعوةٌ من أحد ضيوف الرحمن الذين قال عنهم -صلى الله عليه وسلم- بأن دعاءهم مستجابة.
إن من أعظم الخيرات التي ننعم فيها قد تكون بسبب هذه الدعوات من هؤلاء الضيوف الذين يحبهم الله.
بلدٌ رايتها راية التوحيد، فيها أعظم كلمة، فيها مفتاح الجنة –مكتوب على العَلَم السعودي– لا إله إلا الله محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فكيف لا نحبها؟
هذه كلها أمور تدفعنا إلى أن يكون حبنا لهذه البلاد حبا مختلفا، ليس كبقية حب الناس لأوطانهم؛ لأنها بلدٌ عظيمة عند الله وفيها هذا.
هذا فضلا عن الإنجازات الدنيوية التي قد نتفق فيها مع كثير من الناس، فبحمد الله، بلادنا يوما بعد يوم تحقق إنجازات بفضل الله -سبحانه وتعالى- أولا وأخرًا.
والأمر الذي كان قريبًا ولا زال، موضوع كورونا وأزمته العالمية وكيف قدَّمت هذه البلد بفضل الله -عز وجل- درسًا للعالم في كيف يتم التعامل مع هكذا أزمة؛ سواء صحيًّا أو مع أفرادها؛ حتى أصبح كل من يحمل جواز هذه البلاد يفتخر على مستوى العالم بما تم التعامل معه، فذلك فضل الله.
ولكي يتخيَّل الإنسان الأمر؛ اسألوا الأقدمين: كيف كان الحال قبل ذلك؟ قبل أن تكون هذه البلاد!
كان الناس يخرجون إلى الحج، فيُقال: الخارج إلى الحج مفقود، والراجع منه مولود. لأنه لا يضمن على نفسه. كانت القبائل يُغِير بعضها على بعض، وكان الأمن والأمان ليس بذلك الأمر. ثم أكرَمنا الله -عز وجل- بنعمٍ عظيمة وكثيرة، وهذا فضلك يا رب؛ فسبحانك قلت وقولك الحق -في سورة إبراهيم- {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
فاللهم لك الحمد على نعمك وفضلك وجودك وإحسانك أن جعلتنا من أهل هذه البلاد، وأن جعلتنا من سكانها وممن يتشرف أن يكون كذلك.
اللهم اجعلها بلدا آمنا مطمئنا سخاء رخاء -استجابة لدعوة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام- واجعلنا من خير من يقيم فيها ويؤدي حقها.
أقول ما تسمعون؛ وصلى الله على حبيبي وسيدي محمد وآله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله، يحب من يشاء ويصطفي من خلقه ما يشاء ويختار. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا وقائدنا محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد؛ أيها الأحبَّة الكِرام؛ إذا كنا نريد أن نتحدث عن لماذا نحبها فقد يطول بنا المقام، لكننا ذكرنا بعض الأشياء التي تجعلنا نحب بلادنا.
والسؤال الثاني والمهم هو: كيف نحبها؟ كيف نحب هذا الوطن؟ إذا كنا نحبها فعلا فكيف نعبر عن هذا الحب؟
الحب شيء يستقر في القلب والوجدان لكن آثاره تظهر على الجوارح. ليس الحب كلمات تقال فقط، لكن لا بد أن يكون لهذا الحب ترجمان على أرض الواقع؛ فكيف نحبها؟
نحبها بأن نمثلها خير تمثيل في كل المواطن، سواء على أرض الواقع أو حتى في مواقع التواصل الاجتماعي.
تعرفون لماذا؟ أحيانا يخرج الواحد مننا إلى خارج هذه البلاد فيُفاجأ بعض الناس يقول له: أنت من أحفاد الصحابة، أنت من أرض الحرمين؛ هو ينظر إليك نظرة مختلفة أن الله -عز وجل- حباك بأن تكون قريبا من الحرمين الشريفين وأنك تتنعَّم بهواء هذه البلاد وترابها.
فهل نعي هذه المسؤولية ونُمثِّل بلادنا التي تحتوي على الحرمين الشريفين خير تمثيل؟ في دينها وأدبها وقيمها وثقافتها التي ربانا عليها ديننا الحنيف قبل كل شيء؟
نُعلِن أننا نحب بلادنا عندما نحرِص على أن تكون هذه الراية، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، مرفوعة في كل الميادين؛ كلٌ مِنا في ميدانه، هذا في ميدان وهذا في ميدان وآخر في ميدان.
كم هو شرفٌ للإنسان أن يجعل هذه الرَّاية ترتفع! وبحمد الله، نشاهد من أبناء هذه البلاد المباركة من يسعى لأن يرفع رايتها في كل المحافِل على كل الأصعدة، ويحققون الإنجازات تِلو الأخرى -وهذا من فضل الله- لأنه لا ينتسب هذا الفضل له، بل لهذه البلاد التي هذه رايتها.
نُحِب بلادنا عندما نُتقِن الأعمال التي نقوم بها. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -في صحيح الجامع- «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». فمن يدرس يتقِن لأنه يبتغي وجه الله ويريد محبة الله، ومن يتعامل مع أهله وأحبابه يتقِن، وفي تربيته لأولاده يتقِن؛ لأنه يربي جيلا يحبه الله، من يذهب إلى عمله ويؤديه فليُتقِن عمله بأن هذا ما يقربنا من الله لننال محبته، ثم يرفع أسهم بلادنا.
وغيرها كثير من وسائل عظيمة ومتنوعة يُعَبّر بها الإنسان عن حبه لبلده، ليس فقط -كما قلت- بالكلام، ولكن بالأعمال؛ نعم، أقولها لكم بواسطة لغتي الخالدة هذه، لغتنا العربيَّة الجميلة: إنَّ حب الوطن مسؤولية ووفاء.
الدعاء
نسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يديم علينا فضله ونعمته وكرمه وجوده وإحسانه.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت سبحانك؛ نسألك يا كريم يا رحيم يا عظيم يا جواد، اللهم اجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعله في خير وإلى خير، واجعل ساكنيه ومواطنه وزائريه ومن يقيم فيه وقادته ومن يحبه في خير وإلى خير.
اللهم زِدنا فيه من أفضالك وفضلك وجودك وكرمك وإحسانك.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم اغفر لنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، يا رب اغفر لآبائنا وأمهاتنا، يا رب ارحمهم كما ربونا صغارا، واجزهم عنا خير الجزاء.
اللهم كُن لإخواننا وأهلنا وأقاربنا وأحبابنا ومن أوصانا وأوصيناه وأحبنا وأحببناه ومن له فضلٌ أو حقٌ علينا، ارحمنا وإياهم برحمتك التي وسِعَت كل شيء.
اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، اللهم كُن للمستضعفين، اللهم كُن المستضعفين في كل بلاد الأرض يا رب العالمين، اللهم كُن لهم خير معين وناصر.
اللهم آمِنا في أوطاننا، اللهم أصلِح أئِمَّتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق قائدنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لكل ما تحب وترضى، اللهم خذ بأيدينا وأيديهم لما تحب وترضى برحمتك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا.
اللهم جنبنا الشرور والآفات والفِتَن ما ظهر منها وما بَطَن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائِر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
خطبة وطنية عن المملكة العربية السعودية
ألقاها فضية الشَّيخ الدكتور خالد العتيبي -حفِظه الله وجزاه كل خير-.
فحواها: ألقَت الخطبة الضوء على البلد العزيز، المملكة العربية السعودية، وما يقع على أهلها وأبنائها من مسؤوليات جِسام. بالطَّبع أطنَب الإمام الحديث حول فضلها ومكانتها وما وَرَد بحقها من السنة النبويَّة المطهَّرة.