هنا خطبة الجمعة القادمة -إن كان ذلك في إطار تخطيتك وتحضيرك- بعنوان: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. مشتملة على الوعظ الطيّب المبارك، الذي يستند إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فنسأل الله ﷻ أن ينفع بها كل من اطَّلع عليها وألقاها واستمع إليها وشاركها ونشرها.
هنا خطبة وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ستكون مكتوبة؛ جاهزة للتحميل كصفحة ويب، أو الطباعة، أو القراءة والاطلاع المباشر -المجاني-.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، متم النعمة علينا بالإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الأسوة الحسنة وصاحب المقام العظيم، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه ذوي الهدي القويم.
أما بعد، فاتـقوا الله -عباد الله- تكونوا من أولياء الله ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: ينبهنا القرآن الكريم أن الإيمان ثابت ثبات الجبال الرواسي، لا يتغير بتغير الأحوال، فلا يغيره فقر، ولا يبدله غنى، ولا يجلبه ضعف ولا تذهبه قوة، بل إن المؤمن الحق بين شكر وصبر، والشكر إيمان والصبر إيمان؛ فكان ذلك الإيمان بين الصبر والشكر قوة يستطيع بها المؤمن أن يتجاوز الأزمات، ويقطع بها العقبات، وينجح في الاختبارات، ويفوز في الابتلاءات. وهؤلاء الذين يكونون على هذه الحال هم الصادقون الذين وعدهم الله الجزاء الأوفى، وذلك الجزاء يجدون أثره في الدنيا، ويجنون ثمرته في الآخرة؛ ففي الدنيا بركة ورضا، وطمأنينة وتسليم، وتفويض وتوكل، وفي الآخرة فوز عظيم بجنة فيها ﴿مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
يقول ربنا تبارك وتعالى في شأن هذا الفريق: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا | لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
وإن من الناس – عباد الله – من يزعم أنه على إيمان، أو زينت له نفسه أنه على إيمان، إلا أن ذلك الإيمان المزعوم ما يلبث أن ينهار عند أول ابتلاء؛ ليظهر لصاحبه أن إيمانه أسس على شفا جرف هار فانهار به عند الاختبار، ومنهم من تنكشف له حاله عند الابتلاء بالخير، ومنهم من تنكشف له حاله عند الابتلاء بالشر، كما أخبر المولى ﷻ: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.
وكم من إنسان كان على إيمان يظهر في حفاظه على صلواته، وصدقه في سلوكه ومعاملاته، وإحسانه بوالديه وذوي القربى وجيرانه، ثم بدأ شيئا فشيئا يتغير، فمن حفاظ إلى تضييع، ومن صدق ووفاء إلى التواء وإخلاف، وبدأ يتلاشى ذلك التواضع، وتغرب تلك الأخلاق، وتغيب تلك السجايا الحسنة، فلماذا كان ذلك التغير؟ وما سبب ذلك التحول؟ إن أخذت تفكر لم تجد إلا رزقا كان يستوجب الشكر، ووظيفة كان حقيقا بها أن يزداد هدى، أيكون الغنى مانعا من الإحسان والتواضع! وهل تكون الوظيفة الكبيرة مانعة من صنع المعروف وخفض الجناح للناس!
وإن لنا – عباد الله – لمثلا في قارون الذي كان من قوم موسى، وقد كان – فيما قيل – يلقب بالمنور لحسن صوته في تلاوته للتوراة، فلما أعطاه الله الغنى وآتاه ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾، انقلب على عقبيه، ونبذ كتاب الله وراء ظهره، واتخذ نبي الله موسى ظهريا، فقام إليه الناصحون فنهوه عن نسيان الله وأن تلك الكنوز من الله وحده، وقالوا له: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ | وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، إلا أن قارون قد تملكه العجب، وأحاط به من كل مكان، ونسي نعمة الله عليه بالغنى، ونسب غناه إلى علمه وخبرته واجتهاده.
ولكن يا قارون موسى، ويا قارونا في كل زمان ومكان: ألم تكن لا تملك شيئا فأعطاك الله! ألم تكن جاهلا فعلمك الله! ألم تكن من غير جاه فآتاك الله الجاه! ألست واحدا من الذين قال الله ﷻ فيهم: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ألست من الذين يصدق عليهم قول رب العالمين: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾، وما أحرى ذا الغنى أن يكون غناه بابا له إلى الجنة! وما أجدر صاحب المنصب الكبير أن يكون منصبه طريقا إلى الفوز الكبير!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
ولا تفوتك إمامنا الفاضِل: خطبة جمعة قصيرة جدًا وسهلة.. بعنوان: من محمد رسول الله
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن الإيمان شجرة كريمة يجب أن تتعهد بالسقي؛ فإن سقيت نمت وأزهرت وأثمرت، وحصد صاحبها ثمرتها في الدنيا والآخرة ﴿فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾، وإن أهملها صاحبها اصفرت فيبست، ثم كانت حطاما ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾، وسقي تلك الشجرة يكون بالتذكر والتذكير ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولو لم يكن المؤمن محتاجا إلى الذكرى لما أمر الله بها نبيه، ولما أرسله مذكرا فقال له: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾.
وما أحوجنا إلى أن نربي نفوسنا ونربي أولادنا على إيمان مريم -عليها السلام-، فنجلس مع نفوسنا معددين لها نعم الله عليها، قائلين لها عند ذكر كل نعمة ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾، لتجيب تلك النفوس: ﴿هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، ونجلس مع أولادنا ونصنع معهم مثل هذا الصنيع، لتنشأ نفوس على رد الفضل كله إلى الله، متحققا فيها باطنا وظاهرا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، فلا يغير ذلك الإيمان الراسخ بعد ذلك غنى ولا منصب كبير ولا جاه، بل هو إيمان على الصفة التي أخبر عنها النبي ﷺ في قوله: «الإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي على قرارها».
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وهنا أيضًا: خطبة عن السحر والعين والمس والحسد.. الوقاية والشفاء