خطبة تسكن لها القلوب… بعنوان ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾ – مكتوبة

خطبة تسكن لها القلوب… بعنوان ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾ - مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الآمر عباده بالتقوى، الذي يجزي على الإحسان بالحسنى، أحمده ﷻ على كل ما أعطى، وأشكره على كل ما أولى وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المنتقى، وأمينه المصطفى، وحبيبه المجتبى، صلى الله وسلم وبارك عليه في الليل إذا يغشى، وفي النهار إذا تجلى، وعلى آله وصحبه، وعلى كل تابع من بعده إلى يوم الجزاء الأوفى.

أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله ﷻ، واعلموا أن الله ﷻ مثلما خلق للناس ما يتجملون به من ألبسة شتى، ويظهرون بها في مظاهر رائقة راقية، جعل لأرواحهم من اللباس خيرا مما جعل لأجسادهم، يقول جل شأنه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فكونوا -يا عباد الله- حريصين على أن تتجملوا أمام خالقكم بلباس روحي كامل.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: ما الذي يفعله منكم من أراد أن يسافر؟ لا شك أنه سيدرس طريق رحلته، وسيعد لتلك الرحلة عدته، وسيتأكد من كل شيء حتى يتجنب ما يعطل سيره، ليضمن الوصول إلى غايته بسلامة واطمئنان، وكذلك الحال في رحلتنا نحو سعادتنا – الدار الآخرة – لا بد من أن نأخذ من الزاد أتمه، ومن الجد أحزمه، وهذا ما أوصانا به الحق جل جلاله إذ قال: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)، وما المعني بالتقوى؟ ما هي إلا اتقاء سخط الله ﷻ والوقوع في عذابه بإتيان ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه ﷻ وزجر، أو هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

وما يكون الاستعداد ليوم الرحيل إلا باصطحاب التقوى في مراحل حياتنا كلها، لأن قبول الأعمال عند الله ﷻ معلق بالتقوى، يقول ﷻ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

أيها المسلم: إن التقوى تشمل جميع ما تعتقده في قلبك من الاعتقادات، وكل ما تأتيه من الأعمال، وتشمل كذلك ما تحرص على اجتنابه مما هو ضد ما سبق من معتقد أو قول أو فعل، فتتقي الله ﷻ فيما تعتقد في حقه ﷻ، وفي حق ملائكته، ورسله، وكتبه، وقضاء الله ﷻ وقدره، وفي اليوم الآخر.

فلا تصف الله ﷻ بما لا يليق، بل صفه بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله ﷺ في سنته الثابتة عنه، مما هو وصف كمال وجمال وجلال، فلا تشبهه بخلقه، ولا تشبه شيئا من خلقه به، فالله ﷻ يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، ويقول: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وتتقي الله ﷻ فيما تعتقده في حق ملائكته الكرام، فاملأ قلبك بمحبتهم، وإياك أن تنتقص أحدا منهم، يقول ﷻ: (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ)، وتتقي الله ﷻ في حق رسله الكرام، فلا يكن حظك من الإيمان بهم أن تؤمن ببعضهم وتكفر ببعضهم؛ فالله ﷻ يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا).

وتتقي الله -يا عبد الله- في حق كتب الله ﷻ المنزلة، وفي مقدمتها القرآن الكريم، الذي هو دستورنا -معشر المسلمين- فإياك أن تؤمن ببعضه وتكفر ببعضه، فتكون حالك كحال من قال الله ﷻ فيهم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

واستقبل قضاء الله بتقواه، فلا تسخط شيئا قضاه الله عليك، وآمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإن أصابك ما تكره فإنما هو من قبل نفسك، فاتهمها بالتقصير، وعالج ما وقعت فيه من الخطأ، فإن ما وقع عليك ما هو إلا رسائل من ربك لتستيقظ وتنتبه، يقول الحق ﷻ: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)، ويقول ﷻ: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- في الظاهر والباطن، في المنشط والمكره، في كل ما تأتون وفي جميع ما تذرون (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

وهنا ⇐ خطبة عن التقوى مكتوبة «منسقة ومُعنصرة» وتحاكي جوانب عِدَّة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله الأمين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: إن تقوى الله ﷻ لها فوائد وعوائد في الدنيا والآخرة، فأهل التقوى يحبهم رب العالمين، يقول عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، وهو ﷻ مع المتقين بالحفظ والتأييد والرعاية: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، وهم الذين يخرجهم الله جل جلاله من كل ضيق إلى كل فرج ويسر: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، وهم الذين يبعد الله ﷻ عنهم الحالات النفسية الصعبة: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

والمتقون يثبتهم الله ﷻ بجنده وملائكته (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).

وأهل التقوى يعيشون آمنين مطمئنين برحمة الله وفضله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ)، والمتقون هم الموعودون بحسن العاقبة (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وهم الموعودون بثواب الله العظيم (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

فعليكم بتقوى الله -يا عباد الله-، الزموها في جميع حالاتكم، وأيقنوا أن من لزمها جعل الله ﷻ له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل ضلالة هدى، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية، وإلى كل خير سبيلا.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

كذلك؛ هذه ⇐ خطبة عن تقوى الله – قصيرة & مكتوبة

أضف تعليق

error: