وما أصعبه من موضوع عن المُلقي والمُتلقّي. نعم، انها خطبة عن هجر المساجد؛ تلك البقاع الطاهرة على الأرض، وهذه رسائل نسوقها إلى الذين اعتادوا على التخلف عن صلاة الجماعة، الذين دأبوا على التأخر عن الصلاة، إلى جار المسجد الذي لا يراه روَّاد المسجد إلا قليلا.
هذه الخطبة نطرحها عليكم بعد الحال المؤسف الذي وصل إليه كثير من المسلمون؛ حول ظاهرة هجر المساجد التي تفحَّشت وأصبحت متعارف عليها عليها كثيرًا -والعياذ بالله-.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلي إله وسلم- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
الخطبة الأولى
أما بعد فأصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الصلوات الخمس
أما بعد، فقد أخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف».
فضل صلاة الجماعة في المسجد
«ما من رجل يتوضأ، فيحسن الوضوء، ثم يأتي مسجدا من المساجد، فيخطو خطوة؛ إلا رفع بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة، أو كتبت له بها حسنة”، حتى إن كنا لنقارب بين الخطى، “وإن فضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده، بخمس وعشرين درجة»
هذا الأثر الذي رواه مسلم عن ابن مسعود كأنه من كلام النبي ﷺ، وهو يتحدث فيه عن فضل صلاة الجماعة في المسجد حيث قال «من سره أن يلقى الله غدا مسلما» يعني من أحب أن يلقى الله يوم القيامة مسلما مؤمنا بالله رب العالمين فليحافظ على هؤلاء الصلوات «حيث ينادى بهن»، يعني يحافظ على أداء الصلوات الخمس في المساجد في جماعة، لماذا؟ «فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى» يعني الصلوات الخمس.
«وإنهن من سنن الهدى» الهدى له سنن، وسنن الهدى هي الصلوات الخمس.
التخلف عن الصلاة في المسجد
ثم قال ابن مسعود «ولو أنكم صليتم في بيوتكم» يعني ترك الناس المساجد كما يحدث الآن، ترى الكثير من الناس يتهاونون من غير عذر ومن غير داع أن يصلوا في بيوتهم ويتركوا الجماعة في المساجد.
ماذا قال ابن مسعود؟ قال: «لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته» يعني المتخلف عن صلاة الجماعة في بيته «لتركتم سنة نبيكم».
الذي يصلي في بيته من غير ترك سنة رسول الله ﷺ «ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم».
«ولقد رأيتنا» عن زمانه في حياة النبي ﷺ «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها» يعني عن صلاة الجماعة «إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يٌُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» كان الرجل مريض حيث إنه لا يستطيع أن يمشي وحده، فيحمل بين الرجلين حتى يوضع في الصف.
«ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى حتى يقام في الصف للصلاة» ثم قال: «وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور» يعني الوضوء «فيعمد إلى المساجد» يعني يصلي في المسجد «فيصلي فيه فما يخطو خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة».
وفي رواية أخرى أن الرسول ﷺ علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
لِما هجرنا الصلاة في المساجد؟
أيها الناس، صار اليوم من عادات الخلق أن الناس يتهاونون في صلاة الجماعة في المساجد.
الرجل من غير عذر يسمع الأذان يؤذن في المساجد وهو بكامل صحته، وعافيته، ويذهب إلى كل مكان إلا المسجد.
يصلي في بيته، يصلي في سوقه، في عمله وهذا مما نهى عنه النبي ﷺ، وهذا أمر خطير.
حكم صلاة الرجل في بيته بغير عذر
لماذا تصلي في البيت وأمامك بيت الله ﷻ؟ وهنا سؤال حكم صلاة الرجل في بيته بغير عذر.
إن هذا الدين الذي تنزل علينا بالوحي من السماء، وأتانا من طريق النبي ﷺ له ضوابط، وله معايير لا بد من أن نتقيد بها.
نحن نعبد الله على مراده، وعلى أمرنا على أهوائنا.
والسؤال حتى تعلم ما حكم صلاة الرجل في بيته بغير عذر؟ هذا السؤال قد وجه للشيخ ابن باز -رحمه الله- مفتي المملكة الصادق، عن التخلف عن صلاة الجماعة في المساجد وأدائها في البيت من غير عذر.
السؤال فضيلة الشيخ؛ ما حكم صلاة الفريضة في المنزل من شخص يمكنه أن يصلي في صلاة الجماعة؟ ولكنه يصلي في بيته كثيرًا وقل ما يذهب المسجد، ما حكم هذا الرجل؟
قال الشيخ -رحمه الله- صلاة الرجل مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله واجبة مع القدرة، يعني إذا كنت قادرًا تجب عليك صلاة الجماعة في حق من يسمع الأذان لقول الله ﷻ ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، يعني صلوا مع المصلين.
ولقوله ﷻ ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ | رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾.
وأما البيوت التي أذن ربنا ﷻ أن ترفع ويذكر فيها اسمه هي المساجد، ولقول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه ابن ماجة والدارقطني عن ابن عباس، قال رسول الله «من سمع النداء»، يعني الآذان «فلم يأت»، يعني للصلاة في المسجد «فلا صلاة له إلا من عذر».
قال رسول الله «من سمع النداء، فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر».
وجوب صلاة الجماعة في المساجد
أيها الناس، والله ما ضلت قلوبنا، وعقولنا وما فسدت أخلاقنا وأرواحنا إلا بترك صلاة الجماعة في المساجد.
النبي ﷺ كان يحرص جدا على أداء الفريضة في المسجد، هو والصحب الكرام، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال خوف أو مرض.
وروى أحمد وأبو داوود، وهذا الحديث لمن يتعللون بالأعذار عن الصلاة في المساجد، صارت ظاهرة عجيبة بعد الجائحة التي مرت بالمسلمين وتلاها ما تلاها صار الناس يتهاونون بقلوب باردة عن أداء صلاة الجماعة في المساجد، وهذا أمر خطيرجدا لأن صلاة الجماعة في المسجد واجبة على كل مسلم ما لم يكن معذورا.
هذا الحديث لأصحاب الأعذار، روى أحمد، وأبو داوود عن ابن أم مكتوم قال جئت إلى رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله إني كبير ضرير شاسع الدار، ولي قائدٌ لا يلائمُني، وفي رواية إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى الصلاة، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي يا رسول الله؟
هذا الرجل أتى إلى النبي ﷺ بأربعة أعذار:
- العذر الأول يا رسول الله أني كبير، يعني كبير في الشيخوخة في الكبر الأول.
- والعذر الثاني ضرير يعني أعمى لا يرى.
- والعذر الثالث شاسع الدار، يعني بعيد البيت عن المسجد.
- والرابع لي قائد لا يلائمني يعني الرجل الأعمى لا بد من أن يقوده قائد، وهذا القائد لهذا الأعمى أحيانا لا يطاوعه. أربعة أعذار، ثم قال بعد هذه الأعذار الأربعة القوية يا رسول الله فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟
ماذا بعد هذه الأعذار؟ شيخ كبير وأعمى لا يرى، والبيت بعيد ولا أحد يقوده إلى المسجد فماذا قال الرسول؟ قال رسول الله «أتسمع النداء بالصلاة؟» يعني الآذان؟ قال نعم يا رسول الله، فقال الرسول «لا أجد لك رخصة؟» قال «فأجب» يعني صل في المسجد ﷺ.
وفي رواية لأبي داود والنسائي قال: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، الهوام يعني؛ الحيات والعقارب، والسباع يعني؛ الوحوش والذئاب، والأسود.
إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير، أعمى لا يرى، ربما أمشي في الطريق فيلدغني ثعبان، أو حية أو عقرب، أو يأكُلني ذئب فهل تجد لي من رخصة أن أصلي في بيتي يا رسول الله؟ قال الرسول «تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟» قال نعم، قال «فحي هلا»، ولم يرخص له؛ يعني أسرع وعجل إلى الصلاة.
وفي رواية «أتسمع الإقامة؟» قال نعم، قال «فأتها؟ اذهب إلى المسجد».
في رواية «أتسمع النداء بالصلاة؟» وفي رواية «أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح» وفي رواية «أتسمع الإقامة؟» قال بلى، قال «فأجب لا أجد لك رخصة ﷺ».
ماذا بعد هذه المعاذير القوية التي لم يرخص النبي لصاحبها في الصلاة في البيت.
إننا حينما تواجهنا أصغر مشكلة، في البيت، في الحي، في العمل، مع الزوجة تجد أن الرجل يرتبك ويخاف ويصاب بالهم والنكد لأن القلوب ضعيفة ليست قوية صامدة.
أما إذا ذهبت إلى بيت الله فصليت لله رب العالمين، في بيته، ولجأت إلى ربك كان الرب معك حافظا، وكريما ومكرمًا وستّيرا وعظيما.
لماذا تركنا بيوت الله وأعرضنا عنها؟
لكن نحن أعرضنا عن بيوت الله رب العالمين، ثم قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- ووصيتي لكل مسلم أن يتقي الله، وأن يحافظ على الصلاة في جماعة، وأن يحذر التشبه بالمنافقين في التخلف عنها.
فالرجل يعد منافقا بقدر ما يتخلف عن الصلاة في المسجد بغير عذر.
والسؤال هو أنك ستحاسب، الملكان اللذان جعلهما الله رب العالمين على كتفيك يكتبان حسناتك وسيئاتك، الهفوة تسجل عليك، الصفير يسجل عليك، يسجلون عليك حركاتك وسكناتك ولحظاتك وكلماتك.
هنا السؤال كم صلاة في الأسبوع تؤديها في المسجد؟ وكم صلاة تؤديها في البيت؟
مصيبة كبيرة الناس يتهاونون في أمر الصلاة في المساجد وهذا لا يجوز، وقد أورد الشيخ صالح العثيمين -رحمه الله- والكثير من أهل العلم أدلة من القرآن تدل على وجوب صلاة الجماعة في المساجد، كيف هذا؟
كيفية الصلاة في الحرب
قال ﷻ ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾.
ما ترجمة هذا؟ الله رب العالمين كلم النبي الأمين ﷺ فقال ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ﴾، أي أيها النبي إذا كنت في جندك في ساحة القتال فحان وقت الصلاة وأردت أن تصلي بهم فقسم الجند إلى قسمين.
في ساحة القتال، قسم يصلون خلفك، وقسم آخر يقفون يحرسونكم ويرقبون العدو، والقسم الذين يصلون خلفك يصلون بأسلحتهم معك في جماعة.
فإذا صلى القسم الأول، الطائفة الأولى ذهبوا يحرسوا الجند والجيش، وتأتي الطائفة الأخرى، القسم الثاني فليصلوا معك يا محمد في جماعة، ﷺ.
فإذا كان الله رب العالمين لم يرخص لنبيه في الحرب، في القتال حيث الدماء والأشلاء والموت في كل مكان.
لم يرخص الرب للنبي أن يصلي كل واحد وحده في حالة القتال، إما أن أقتلك فأنت عدوي، إما أن تقتلني.
في هذه الحالة الصعبة لم يرخص ربنا للرسول أن يصلي كل واحد وحده بل أمر الله النبي كما في الآية أن يقسم الجيش إلى قسمين:
قسم يحرسون الجيش، ويرقبون العدو وينظرون تجاه العدو.
والقسم الثاني يصلون خلف الإمام بالسلاح، فإذا صلى القسم الأول في جماعة خلف إمام واحد، وأدوا الصلاة ذهبوا مكان القسم الثاني يحرسون الجيش، فيأتي القسم الثاني يصلون في جماعة خلف الإمام من عظم أمر الجماعة.
إذا كنت أيها النبي في ساحة القتال فأردت أن تصلي بهم فلتقم جماعة منهم معك للصلاة، وليأخذوا سلاحهم أثناء الحرب فإذا سجد هؤلاء، يعني صلى هؤلاء فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجهة العدو، وتتم الأولى ركعتهم الثانية ويسلموا.
ثم تأتي الجماعة الأخرى الذين لم يصلوا فليصلوا خلفك في ركعتهم الأولى ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية وليحذروا من عدوهم وليأخذوا أسلحتهم.
والله إني لأتعجب إذا كان رب العالمين الذي خلقنا وأمرنا بيده وحسابنا بين يديه لم يرخص الله في ساحة القتال، لم يرخص لقائد الجيش في ساحة القتال أن يصلي كل واحد وحده.
وإنما أمر الله رب العالمين أن يقسم الجيش إلى نصفين، قسم يصلي في جماعة وقسم يحرص.
ترك صلاة الجماعة في المسجد
نحن في سلم وفي رخاء وفي سعة والمساجد في كل مكان ولا نصلي في المسجد، لماذا؟ لِم في المسجد؟ من العاصي؟ من الحامي؟ لماذا أعرضتم عن بيوت الله رب العالمين؟
وإذا ذهبت إلى طبيب وأنت مريض ثم وجدت أن عيادته ممتلئة بالمرضى وأنت تتألم، هل تنصرف لأجل الزحام؟ تبقى بالساعات.
ولكن لو أنك ذهبت إلى ملك الملوك، الشافي -جل وعلا- في بيته، قلت: يا رب عبدك ضعيف ومسكين ومريض ولا يحتمل ثمن الدواء.
اللهم اشفني وعافني واعف عني يا رب آمين إلا عافاك الله رب العالمين.
ولكن لما اعرضنا عن الله تركنا الله في كل واد نعذب، ثبت عند البخاري ومسلم أن النبي ﷺ صلى بغزوة ذات الرقاع فصلت معه طائفة وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا العدو.
وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم جلس وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم ﷺ.
فضل الصلاة في المساجد
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة؛ وهذا حديث عظيم، في فضل الصلاة في المساجد، لمن لا يعلم ولمن كان يعلم فنسي أو تماسك. قال رسول الله «صلاة الرجل في جماعة تزيد عن صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة» وفي رواية «سبعا وعشرين درجة».
وذلك «إن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة» خطوة قدم، خطوة، ترتفع بها درجة لمن؟ عند من؟ عند الله.
وخطوة بقدمك ترفع عنك خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل، تعلم آداب المساجد «فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه»، يعني أنك دخلت المسجد، والمؤذن أذن وصليت السنة وجلست تنتظر الصلاة، أنت في هذا الجلوس تصلي كما قال الرسول.
لا تستعجل الإقامة، إنها أوقات الرحمة تتنزل عليك، ثم قال الرسول «فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه».
يقولون اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث.
بعدما أديت السنة القبلية تنتظر الصلاة تدعو لك الملائكة «اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» يعني يؤذي الناس في الجامع «ما لم يحدث»، ما لم ينتقض الوضوء.
المسجد بيت كل تقي
وروى الطبراني عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي ﷺ يقول وهذه بشرى لمن تعلقت قلوبهم بالمساجد لأن الله لا يساوي بين عبد يحافظ على الصلاة في المسجد وآخر لا يصلي، لها عاقبة ولها عاقبة.
قال رسول الله «المسجد بيت كل تقي، وقد ضمن الله»، وقد تكفل الله «لمن كان المسجد بيته» يعني اعتاد الذهاب للمساجد «بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة يوم القيامة».
من كان المسجد بيته، اعتاد أن يذهب للمساجد، ما المكافأة؟ قال الرسول «وقد تكفل الله» من الذي تكفل؟ «وقد ضمن الله» إيه المكافأة يا رب؟ بالروح، يعني السعادة لذلك أصحاب المساجد صدورهم منشرحة «والرحمة، والجواز» يعني المرور على الصراط يوم القيامة كما قال رسول الله.
وقال الرسول في الحديث الذي أخرجه أبو داوود عن أبي أمامة «من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة»، يعني فريضة «فأجره كأجر الحاج المحرم».
أتذكر قديما لما كان الحجيج يخرجون من مصر، الرجل يلبس ثياب الإحرام، ثم يركب سيارته أو أتوبيسه؟ متعطرا مغتسلا محرما للقاء من؟ الله لأداء فريضة الحج.
هذا خرج حاجا محرما، ما أجره؟ عظيم، قال رسول الله «ومن خرج من بيته متطهرا» يعني متوضأ «إلى صلاة مكتوبة»، فريضة «فأجره»، ثوابه «كأجر الحاج المحرم».
أو كما قال رسول الله «ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين».
وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال «ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له من حين يخرج من بيته، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم».
وفي رواية «لا يتوضأ أحد فيحسن وضوءه، ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة إلا تبشبش الله به كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته»، ومعنى تبشبش الله: فرح الله به وأقبل عليه وتلقاه ببره وإكرامه.
حينما تتوضأ في بيتك، وتخرج قاصدًا المسجد كما قال الرسول، لا تخرج إلا للصلاة إلا تبشبش الله لك، ومعنى تبشبش: فرح الله بلقاء هذا العبد كما قال الرسول «كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم» لو أن لك قريب، حبيب، في سفر ثم رأيته بعد زمان، تتبشبش: تفرح بلقائه، الله يفرح بلقاء العبد خمس مرات إذا قدم عليهم.
ماذا فوق هذا؟ اتق الله في نفسك، أنت اليوم فوق الأرض تمشي، فامش إلى المساجد فإنك غدا في باطن الأرض، تموت تحاسب، وصل على محمد ﷺ.
وهنا أيضًا؛ خطبة عن تارك الصلاة «مكتوبة» مؤثرة
الخطبة الثانية
الحمد لله وحد والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، الحمد لله له الحمد الحسن والثناء الجميل، يقول الحق ويهدي السبيل، ونصلي ونسلم على النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
اتقوا الله وحافظوا على الصلاة في المساجد
أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم، وحافظوا على الصلاة في المساجد، وليس لك حق أن تصلي في بيتك إلا إذا كنت معذورا، إذا كنت مريضًا مرض شديد، أو إذا كنت خائفًا، أو إذا كنت مصاب بعدوى في هذه الحالات صل في بيتك.
أما ما دون ذلك فصل في المسجد، وبين الصلاة في البيت، والصلاة في المسجد فارق كبير؛ في البيت درجة، في المسجد سبع وعشرين درجة.
في المسجد خطوة تخطوها بحسنة، والثانية تمحو سيئة، خطوة ترفع درجة وخطوة تحط خطيئة.
في المسجد أنت في صلاة ما انتظرت الصلاة، في المسجد أنت تدعو لك الملائكة ما دمت تنتظر الصلاة “اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه”.
أنت في بيت ملك الملوك أتتعالى على الملك؟ تتكبر عليه.
اتقوا الله رب العالمين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، وصل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
وأقيموا الصلاة يرحمكم الله رب العالمين.
الآن -إخواني- وبعد أن قدَّمنا لكم -أعلاه- خطبة عن هجر المساجد؛ والتي ألقاها فضيلة الشيخ هاني شاكر الدعوية -جزاه الله خيرا-. نوصيكم أيضًا بالاطلاع على خطبة عن صلاة الفجر.. فضلها وأهميتها، وحال المتهاونين فيها. نسأل الله ﷻ لنا ولكم كل التوفيق والسّداد.