عناصر الخطبة
- أهمية مولد النبي ﷺ.
- القرآن كمصدر للعلم والتزكية.
- الاعتزاز بالتراث الإسلامي والتاريخ العلمي للمسلمين.
- التحفيز على التعليم والبحث العلمي.
- الدعوة إلى القراءة والتعلم.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
إنَّ مولد سيدنا رسول الله ﷺ كان إيذاناً بانبلاج فجر نور العلم والهداية، وبنشر الرحمة على العالمين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وقد امتن الله سبحانه على عباده المؤمنين ببعثة سيد المرسلين سيدنا محمد ﷺ، قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ سورة آل عمران: 164
إن في قول الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) إشارةً إلى الرحمة المصرح بها في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: 107، فالمنَّ من الله تعالى هو التعريف، والمنَّ من العباد هو التعنيف، قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: ” وإنما كان المنُّ من صفاته تعالى العليّة، ومن صفاتنا المذمومة؛ لأنه منه تعالى إفضال وتذكير بما يجب على الخلق من أداء واجب شكره “. فإن من أسماء الله تعالى المنَّان ؛ لأنه سبحانه يبتدئ بالنوال قبل السؤال، ويجود بالعطاء قبل الدعاء.
إننا نستذكر في ذكرى مولد النبي ﷺ أن الله تعالى أرسله إلى المؤمنين يتلو عليهم آياته ﷻ، فيسمعون منه ﷺ الآيات البينات مشافهة، ويعملون بمقتضاها حتى أضحى كل صحابي مصحفاً يمشي على الأرض، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا من توفيق الله تعالى ورحمته، ومنْ وفقه الله تعالى فقد زكاه وأصلحه لقوله تعالى (ويزكيهم)، والتزكية معناها: الإصلاح، لأنه بتلاوة القرآن على المؤمنين انفتحت لسماعه آذانهم، وانشرحت لفهمه صدورهم، فصلحت بالتزكية، فتعلموا حينئذ القرآن المتلو على المؤمنين،
وعلى الصحابة رضي الله عنهم، وسيظل القرآن متلواً ما بقي الليل والنهار حتى يرث اللهُ الأرض ومنْ عليها.
فأي نعمة توازي نعمة مولد سيد البشرية ﷺ الذي بشّرنا فاهتدينا، وأي نعمة توازي نعمة ذكره ﷺ في كل لحظة من لحظات الزمان ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ سورة الشرح: 4، وأي نعمة تعدل نعمة أننا من أتباعه ﷺ، إنها نعم لا تحصى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة النحل: 18
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه ” الرسالة”: ” وقد فرض الله تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله ﷺ فقال في كتابه:
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سورة البقرة: 129، قال الشافعي: فذكر اللهُ الكتاب وهو القرآن، وذكر الحِكمة، فسمعت من يقول: الحكمة سنة رسول الله ﷺ ”
والسبب في نزول هذه الآية الشريفة: إعلام الله تعالى الأمة بإجابته دعوةَ إبراهيمَ عليه السلام، فاستجاب الله تعالى هذه الدعوةَ، وقد أشار النبي ﷺ إلى إجابة هذه الدعوة الشريفة، ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قيل: يا نَبيَّ اللهِ، ما كان أوَّلُ بَدءِ أمْرِكَ؟ قال: دَعْوةُ أبي إبراهيمَ، وبُشرى عيسى، ورَأَتْ أُمِّي أنَّه يَخرُجُ منها نورٌ أضاءَتْ منه قُصورُ الشَّامِ. رواه الطبراني في المعجم الكبير.
والحق أن تقديم التزكية على تعلم الكتاب في آية آل عمران فيه إشارة إلى شرف هذه الأمة المحمدية، فقد قُدمت التزكية على التعلم لحصول أمة سيدنا محمد ﷺ على التزكية المطلوبة التي تؤهلها لطلب العلم، وهو ما نصت عليه آية سورة الجمعة، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ سورة الجمعة: 2
فحريٌّ بنا معشر العرب والمسلمين الذين كنّاَ أميين أن نحمد الله تعالى وحده على نعمائه بهدايتنا إلى العلم والمعرفة، نحمد الله تعالى الذي أنزل أول كلمة من السماء (اقرأ)، لتصبح شعارنا في حياتنا، هذه الكلمة التي تحمل رسالة عظيمة إلى المسلمين خاصة وإلى الناس عامة أن نعمة القراءة باسم ربنا الذي خلقنا تدعونا إلى شكره ﷻ، وأن نكون من القليل الذين ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ سورة سبأ: 13، ورضي الله تعالى عن الإمام الجنيد الذي قال: ” لله ﷻ في السراء نعمةُ التفضيل، وفي الضراء نعمة التطهير، فكن في السراء عبداً شكوراً، وفي الضراء عبداً صبوراً”
إن أمة الإسلام، أمة القرآن، أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام مطالبة في هذه الأيام أن تتذكر الماضي العظيم في تاريخنا المجيد، تاريخنا الحافل بالعلم والعلماء، وأن نعود إلى سابق عزنا في القراءة الواعية الجامعة بين العلم والعمل؛ فإنهما كالجناحين يطير بهما الطائر في آفاق السماء.
ومع بدء العام الدراسي الجامعي الجديد، علينا أن نحث أبناءنا وبناتنا الطلبة على أن يتزودوا بالعلوم النافعة التي تخدم دينهم ووطنهم وأمتهم، فإننا بالعلم نرتقى، ونبني الأوطان ونشيّد البنيان، قال الله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ طه: 114، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ فاطر: 28، وقال عليه الصلاة والسلام: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ». رواه ابن ماجه، فبالعلم نرتقي، وبالعلم نبني الأوطان
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها
والجهلُ يهدمُ بيت العز والكرم
لذا ما أحوجنا اليوم إلى (اقرأ)، نحتاج إليها في كل لحظة وحين؛ نحتاجها ونحن نعبد الله تعالى، وندعو إلى ديننا العظيم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
نعم، نحتاج الى العلم والثقافة، نحتاج الى المعرفة بشتى الميادين؛ حتى نكون على بينة وبصيرة من دعوتنا الربانية التي هي دعوة سيدنا رسول الله ﷺ.
⇐ وهذه خطبة (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).. بمناسبة مولد الحبيب ﷺ – مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: 43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»، وعليكم أيضاً بـ«كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين.