ونستمر في طرح الكنوز واللآلئ من الخُطَب المنبريَّة الوعظية الجميلة. ونصِل اليوم إلى تقديم خطبة عن نعمة الصحة والعافية. وهي أحد الخُطب التي يجدر بالأئمة والخطباء الأجلاء مراعاتها دوريًا؛ خاصَّة لما نراه اليوم من صراعات الأمراض والأوبئة والسلوكيات غير الصحية التي ينتهجها كثير من المسلمين -إلا ما رحم ربي- ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ذي المن والإنعام، والإفضال والإكرام، أحمده ﷻ وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو العزيز الغفار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه البررة الأخيار، صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فاتقوا الله –أيها المؤمنون-؛ فإن تقواه وصيته إليكم وإلى الأولين من قبلكم.
قال الله ﷻ: {وَلَقَدۡ وَصَّیۡنَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِیَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ} [سورة النِّسَاءِ: ١٣١].
وقال ﷻ: {یَٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [سورة آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٢]
فتقوى الله ﷻ هي سر النّجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، والتذكير بها تذكير بهذا السبب الأعظم الذي يفلح به المرء ويسعد في عاجل أمره وأجله.
الخطبة الأولى
اعلموا – يا عباد الله – أن من جملة تقوى الله: أن يشكره أحدنا على ما أوصل إليه من النعماء؛ فإن نعماء الله جليلة، وآلاءه الواصلة إلينا كثيرة.
قال ﷻ: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِۖ} [سورة النحل: ٥٣].
وقال ﷻ: {وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤ} [سورة النحل: ١٨].
ومن جملة النعم التي يرفل فيها العبد، وربما غفل عنها مع تلذذه بها: نعمة الصحة والعافية؛ فإنّها من حسنة الدنيا؛ الواردة في قوله ﷻ: {رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلَۡٔاخِرَةِ حَسَنَةࣰ} [سورة البقرة: ٢٠١]؛ ففسر جماعة من السلف (حسنة الدنيا): بأنها الصحة والعافية، ولا ريب أنها فرد من تلك الأفراد المندرجة في اسم (الحسنة)؛ وهي الحال الملائمة المناسبة للعبد.
فمن جملة ما يناسبه: أن يكون صحيحا معافى في بدنه.
وجعلت ركنا من أركان النّعماء العظيمة؛ في قوله ﷺ: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا»؛ أي كأنما جمعت له الدنيا جميعها فتمتع بها؛ وذلك إذا جمع له الأمن في بلده، والصحة في جسده، ووجود قوت يومه عنده = فهو حينئذ متمتع أعظم التمتع بأعظم النعماء.
وتلكم النعمة العظيمة ذكر النبي ﷺ أن كثيرا من الناس يعبثون فيها؛ أي يلحقهم فيها النقص بعد فواتها؛ في قوله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ»؛ أي أن هاتين النعمتين من النعم التي يغفل عنها النّاس، ولا يولونها ما ينبغي من العناية والرعاية، فيفوتون على أنفسهم ما يمكنهم فيه القيام بما يحبه الله ويرضاه؛ فيندمون حينئذ ولات مندم، كيف لم يتقربوا إلى الله بما يحبه من أنواع الطاعات؟!
ويتأكد هذا في كون تلك النعمة مما يسأل عنه العبد يوم القيامة؛ فقد قال الله ﷻ: {ثُمَّ لَتُسَۡٔلُنَّ یَوۡمَىِٕذٍ عَنِ ٱلنَّعِیمِ} [سورة التكاثر]، وقد ذكر بعض السلف في تفسيرها: أن العبد يسأل عن الصحة والعافية.
وهي فرد من تلك الأفراد المسؤول عنها قطعا؛ لقوله ﷺ: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل»، ثم ذكر أشياء يسأل عنها؛ ومنها: قوله ﷺ «وعن جسمه فيم أبلاه»؛ أي عن صحة جسمه وعافيته وقوته في أي شيء أنفذه حتى بلي وذهبت تلك القوة.
فالعبد مسؤول عن هذه النعمة العظيمة؛ مما يؤكد على العبد التفطن لها، ورعايتها، والقيام الله ﷻ بشكرها؛ فإنّها إذا شكرت ربت وزادت وانتفع العبد بها، وإذا كفرت كانت وبالا على العبد.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
وهنا -كذلك- خطبة عن الوقاية خير من العلاج
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا حمدا، والشكر له تواليا وتترا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له معبودا حقا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صدقا.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد: أيها المؤمنون! إن النعم كافة مأمور بحفظها؛ فإن ذلك من حقيقة شكرها؛ التي أمر الله ﷻ بها في قوله: {وَٱشۡكُرُوا۟ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ} [سورة البقرة: ١٧٢]. فمن شكر النعم: السعي في حفظها.
ومن جملة ذلك: السعي في حفظ الصحة، وقد رعته الشريعة حق الرعاية.
فمن أصول إصلاح حياة الناس: إنباههم إلى ما فيه حفظ صحتهم.
ومن ذلك: قوله ﷻ: {ولا َتقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیمࣰا} [سورة النساء: الآية ٢٩]؛ فإن من جملة ما يندرج في النهي عن قتل النفس: النهي عن إضعافها بإذهاب صحتها.
ومنه: قوله ﷺ : «لا ضرر ولا ضرار».
فالعبد منهي عن إيصال الضرر إلى نفسه، أو إيصاله إلى غيره؛ ومن جملة ما يندرج في ذلك: أن العبد ينهى أن يضر بصحته، أو أن يضر بصحة غيره.
فهو مأمور بأن يتخذ الأسباب التي تؤدي إلى حفظ صحته.
ومن جملة ذلك في حال الوباء: اللقاحات الطبية؛ فإن اللقاحات الطبية واحدة من الأسباب التي تحفظ بها الصحة في حال الوباء؛ فإذا تيقن، أو غلب على الظن، أن ذلك اللقاح يؤدي بإذن الله ﷻ إلى حفظ الصحة = كان مأمورا به؛ تحصيلا لشكر هذه النعمة.
ويتأكد ذلك في حق من ألزمه ولي أمره؛ فإنه من جملة طاعته؛ فلا يجوز له التخلف عن ذلك، أو سلوك طريق الكذب والخداع في ذلك.
وكل ذلك تحقيق لما فيه مصلحة جماعة المسلمين في بلدهم.
فعلى العبد أن يرعى هذا الأصل حق الرعاية، وأن يعلم منزلته من شكر نعمة الصحة؛ فإن ذلك سبب من أسباب حفظها.
وقد أنعم الله ﷻ علينا بنعماء كثيرة في هذا الوباء النازل؛ ينبغي أن يتفطن إليها العبد، ومن أعظمها: معرفة قدر نعمة الصحة التي نعيشها وتغفل عنها.
فالله الله في معرفة نعماء الله، والقيام بشكرها، وشكر كل من أحسن إلينا في سبيل حفظها.
وانظروا هنا أيضًا: خطبة عن خطر المخدرات على الفرد والمجتمع مؤثرة «مكتوبة»
الدعاء
- اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
- اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
- اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.
- اللهم عجل برفع هذا الوباء، اللهم عجل برفع هذا الوباء، اللهم عجل برفع هذا الوباء.
- اللّهم إنّا نعوذ بك من الجنون والجذام، والبرص وسيء الأسقام، اللهم إنّا نعوذ بك من الجنون والجذام، والبرص وسيء الأسقام، اللهم إنّا نعوذ بك من الجنون والجذام، والبرص وسيء الأسقام.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النّار.
- اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضنا ومرضانا ومرضى المسلمين.
وأقِـم الصَّـلاة..
وإلى هنا إخواني، قد وصلنا إلى ختام صفحتنا، والتي نشرنا لكم فيها خطبة عن نعمة الصحة والعافية؛ وهي من إلقاء الشيخ صالح العصيمي -جزاه الله خيرا-. وأترككم أخيرًا مع خطبة عن مراقبة الله ﷻ. علَّها أن تنفعنا وإياكم في الدنيا والآخرة.