مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في مُحكم التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، قال وعلمنا وحذرنا في صحيح حديثه “لن تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به”.
فاللهم صل وسلم وزد وبارك، على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم آمين.
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأحباب، نعمة الصحة، خلق الله ﷻ الإنسان، وكرَّمه أيهما تكريم، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، وأمده بنعمة الحق، وإرسال الرسل، ثم أمده بنعم لا تعد ولا تحصى، ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾.
وهذه النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، واجبٌ على الإنسان أن يشكر الله عليها أولًا ثم يحافظ عليها ثانيًا، لأن القانون السماوي: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
ومن أجل نعم الله ﷻ على الإنسان، بعد نعمة الإسلام، هي نعمة المعافاة، كما بين الحبيب ﷺ، في حديثه فقال: “سلوا الله المعافاة”، وفي رواية “سلوا الله العافية”، من أجل النعم بعد نعمة الإسلام نعمة العافية، أن تعيش صحيح البدن، سليم العقل، أن تعيش بصحةٍ وعافية، فقال: “سلوا الله العافية، فما أحد بعد اليقين أفضل من العافية”، ما في نعمة، أنعم بها ربنا أعظم من نعمة بعد نعمة الإسلام إلا نعمة العافية وصحة البدن وسلامة العقل.
ولذا ربنا ﷻ، أمرنا في كتابه، ومن تأمل في الشريعة الإسلامية الغراء، نجد أنها جاءت بما يصلح هذا البدن، وبما يؤدي إلى سلامة هذا العقل، وبما يؤدي إلى أنك تكون خليفة لله في الأرض تؤدي رسالة الله، تجذب النافع وتدفع الضار، وتعمل الصالح في هذا الكون، وذلك لا يكون إلا بسلامة عقل وعافية بدن.
ومن أوتي ذلك فقد أوتي خيرا كثيرا، كما قال عليه السلام: “من بات آمنًا في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”.
نعمة عظيمة، أرشد إليها الحبيب ﷺ، نعمة المعافاة في البدن، نعمة الأمان من الخوف، نعمة الإطعام من الجوع، “من بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”. أمتلك الدنيا، عندما تصحو من نومك وأنت في صحة وعافية، تتحرك وحدك وتتكلم وتذهب هنا وهناك وتذهب إلى عملك وتؤدي الرسالة المنوطة بك فأنت في نعمة عُظمى.
حافظ على هذه النعمة، واشكر ربك عليها، وذلك يكون بعدم الإفساد في النفس وفي البيئة، ونهى ربنا عن الإفساد، في البيئة التي تعيش فيها، في الأرض التي تأكل من خيرها، وتشرب كذلك من مائها، هذه بيئة صالحة، أصلحها الله لك بداية، هواء وماء وطعامًا، لكن الإنسان بتدخله الخاطئ – وليس الصواب – ربما يفسد، فيغير من مائها ومن طعامها.
فحذرنا ربنا: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾. هذا نهي، نهي عن الإفساد في الأرض، بتغير الماء والطعام، نهي عن الإفساد في الأرض، بإتلاف الأنفس أو الأعضاء أو الجوارح، نهي عن الإفساد في الأرض، باغتصاب الأموال أو سرقة الأموال أو الحيل، نهيٌ عن الإفساد في الأرض بتدنيس الأنفاس بالزنا والقذف، نهي عن الإفساد في الأرض، بإتلاف العقل، بشرب المسكرات والمخدرات، نهي عن الإفساد في الأرض، بالإفساد في الدين، تطرف، عنف، قسوة، شدة، غمضة شذوذ، إلى أن سمعنا منذ أيام من تطاول على قرآن ربنا ومن سخر بنبينا ﷺ. فهذا نوع؛ بل من أشد أنواع الإفساد في الأديان، من أشد أنواع الإفساد.
ومن الفساد كذلك أن يأتي من يبرر فيقول: هذا حرية الفكر. فلو أن إنسانًا سبه أو قذفه، أو سخر منه أو استهزأ منه، أيقبل ذلك على نفسه ويقول هذا من الحرية؟ فيقول ما شاء فيّ ويفعل ما شاء فيّ، لا. لكن هذه ازدواجية خاطئة من الإفساد في الأرض، أن تفسد في الدين بأن تسخر أو تستهزئ أو تكون متشددًا أو متطرفًا أو شاذًا، هذا كله من الإفساد.
﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾، أي أن الله قد مهد لك الجو ومهد لك الأرض ومهد لك كل شيء وأسبغ عليك النعم التي لا تعد ولا تحصى. فلو أنك تركتها كما سخرها ربنا وكما أنزلها ربنا عليك ومَنّ بها عليك، لعِشت في صلاح وإصلاح وخير كثير. لكن التدخل الخاطئ من الإنسان في أن يفسد في الأرض بعد ذلك، هذا من أشد أنواع الإفساد، والطامة أنك عندما تقول لإنسان: أنت قد أفسدت في الأرض، هذا فساد منك عريض. أيا كان هذا النوع من الفساد في الطعام أو في الشراب أو كان في الفِكر أو في الدين أو كان بإتلاف الأموال أو بالحيل أو بغير ذلك.. يقول: لا، دا أنا من العقلاء المصلحين، ويُلقي على نفسه من الألقاب كما تسمعون، حكماء، عقلاء، مستشارون، إلى غير ذلك من هذا.
وقد سجل ربنا في القرآن: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾.
والمفسد في الأرض، هذا من علامات النفاق وهو في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من ذلك.
﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا، ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
ولذا أمر ربنا الإنسان بأوامر ونواهي، كل ما أمر به ربنا تجد فيه الخير الكثير، وكل ما نهانا عنه ربنا فيه الفساد والإفساد والخراب والدمار والضرر.
فمن الطعام والشراب، قال ربنا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾. فكل ما أحله الله هو حلال طيب، يصلحك ويصلح بدنك وعقلك ونفسيتك وأحوالك وكل شأنك، وكل ما حرم الله خبيث، يضر بك من جميع المناحي والنواحي، لأن الذي خلقنا هو الذي يعلم ما يصلحنا وهو الذي يعلم ما يفسدنا، الإنسان لما صنع جهاز يأتي معه -كتالوج- كيفية الاستخدام، لطريقة الاستخدام، فإن اتبعنا هذه الطريقة حافظنا على الجهاز، وإن خالفنا هذه الطريقة يؤدي إلى فساد الجهاز.
كذلك الإنسان؛ قال ربنا: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟. هو الذي خلقك، وهو الذي يعرف ما يصلحك وما يفسدك. فقال: ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾.
ما أحله الله طيب، وما حرم الله خبيث. ﴿يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.
وكذلك في المشروبات، فيما أحل الله ينفعك، وفيما حرم الله يضر. فعلى الإنسان أن يحافظ على جسده وعلى نعمة الصحة والعافية، فعليه أن يلتزم ذلك، ثم كذلك يصلح ويطهر ويحافظ على الطهارة الباطنية والظاهرية والداخلية والخارجية، كما أمر ربنا ﷻ، وبين في شريعة الغراء، المسمحة؛ ما يؤدي إلى سلامة هذا البدن، سواء كان خمسًا من أو عشرًا من الفطرة، سواء كان حتى قبل الصلاة: ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ﴾ سواء من الحيض أو النفاس: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.
ثم كذلك يأمرنا ربنا ﷻ بأن يعيش في جو كله أمن وأمان وسلم وسلام، ليؤدي حياته، ليحافظ على عقله الذي منّ الله به عليه، نعمة كبيرة. الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، حافظوا عليها، والعقل نعمة كبيرة، هو الذي جعله ربنا مناط التكييف. فلا تدمروا العقل بالمسكرات والمخدرات، ولا تدمروا الجسد بما يخالف تعاليم رب السماوات، حافظوا على هذه النعمة، بالالتزام بتعاليم شريعة ربنا، وبالدعاء، وبالدواء كذلك، هذه وقاية، وإذا ما وقع المرض، يسارع إلى الدواء، فـ”ما أنْزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنْزَلَ له شِفاءً”، ثم كذلك بالدعاء الذي يتضرع به الإنسان إلى ربه، فيكون الشفاء.
اللهم أسأل في هذا اليوم المبارك أن يجعل تلك الساعة، وتلك الأيام أيام مباركة فيها الصحة والأمن والأمان.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، أجمعين.
⇐ وهنا أيضًا: خطبة عن نعمة الصحة والعافية
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الأحباب، دوام النعمة يُنسي شكرها. فالإنسان إذا ما كان في صحة وعافية، وإذا ما كان في عقلٍ؛ ينسى أن يشكر الله ﷻ. وإذا ما أصاب البدن شيء أو أصاب العقل شيء، يتذكر الإنسان هذه النعمة وفضل الله ﷻ عليه.
حافظوا على هذه النعم باستخدامها فيما جاءت من أجله وبشكر الله ﷻ وبالتدابير الوقائية التي جاءت بها شريعة الله ﷻ الغراء.
⇐ ولا تفوتك هنا.. خطبة الجمعة – نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ
الدعاء
اللهم أسأل في هذا اليوم المبارك وفي هذه الساعة المباركة أن تكون ساعة إجابة..
- اللهم منّ علينا بالصحة والعافية. اللهم إنا نسألك العفو والعافية. اللهم إنا نسألك العفو والعافية.
- اللهم عافنا في أبداننا وعافنا في أبصارنا وعافنا في سمعنا.
- اللهم عافنا واعف عنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.
- اللهم طهر قلوبنا وزكِّ نفوسنا، وتولَّى أمورنا وأحسن خلاصنا.
- نتضرع إليك ونتوسل بك إليك، اللهم أصرف عنا الوباء، اللهم أصرف عنا الوباء، وارفع عنا البلاء والغلاء، اللهم ارفع عنا البلاء والغلاء، وادفع عنا الداء وداونا بدوائك واشفنا بشفائك، واشف مرضى المسلمين أجمعين، وارحم موتانا بفضلك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
- اللهم ارفع البلاء عن بلاد العالمين، اللهم ارفع الوباء عن بلاد العالمين، واجعل الناس في صحة وعافية يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
- اللهم ما أنعمت به علينا فلا تسلبه، وما مننت به علينا فأتممه، وما سترته علينا فلا تكشفه.
- اغفر وارحم وتجاوز عما أنت به أعلم.
- نسألك يا ربنا أن تكتب لنا صلاحًا ونجاحًا وفلاحًا وهداية وتفوقًا وسدادًا ومعافاة ورشدًا في جميع أقوالنا وأفعالنا.
اللهم آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأقيم الصلاة.
وبعد؛ فكانت هذه –إخواني– خطبة جمعة أعددناها لكم “مكتوبة”؛ ألقاها الشيخ الدكتور سعيد عامر، جزاه الله خيرا. وفي الختام أيضًا أود أن أقترح عليكم مواصلة الاطلاع على المزيد من الخُطَب المنبرية المُشابهة؛ ومنها: خطبة: صحة الأبدان من ركائز الإيمان – مكتوبة.
وفقنا الله ﷻ وإياكم لكل خير، وسداد.