الآن معنا خطبة جمعة مكتوبة عن المرأة ونساء المسلمين؛ بعنوان: نساء الرعيل الأول. وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وفي هذه الأيام العالمية والدولية يجب أن يُذَكّر الأئمة والخطباء المسلمين بأعلامنا في كل مناسبة. وها هي تلك المناسبة تأتينا لنسلط الضوء على المسلمات الأعلان في التاريخ الإسلامي.
بالطَّبع لن تكفينا خطبة للحديث عن كل أو حتى الكثير من الصحابيات والرعيل الأول من المسلمات، فسنكتفي بمجموعة، لندلل بهن على ما كان منهن في تاريخنا الإسلامي.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ فيا أيها المسلمون، أشعّ فجر الإسلام بهنّ وانبلج، وسما بهن وعظِم. فذاع صيت الإسلام وقوي. وذاعت معه سيرهُن ومكارمهن وفضائلهن. فأصبحن مثالا يحتذى به المسلمات المؤمنات العابدات الطاهرات.
وفي الوقت نفسه أصبحنا لا نمَل سماع سيرهن وأخبارهن التي تُحيي القلوب وتجلب السعادة وتجدد الإيمان.
لم يعرفن بنسب أو جمال أو مال. وإنما عرفن بما وقر في قلوبهن من صِدق الإخلاص لله ﷻ، وصدق المتابعة لرسول الله ﷺ، ونشر الإسلام ورفع راية الجهاد الحق. فلقد صحبن فجر الدعوة وشاركن وارتفعن بالإسلام إلى آفاق سامية نبيلة.
خديجة بنت خويلد
فمنهن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية -رضي الله عنها وأرضاها-. الزوجة المخلصة التي آزرت النبي ﷺ، وجاهدت معه، ووافته بمالها ونفسها. فكان نصيبها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أتى جبريل النبي ﷺ فقال «هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي قد أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيها ولا نصب».
أي: قصر في جنة رب العالمين -سبحانه-؛ هو من لؤلؤ مجوَّف وياقوت؛ لا صياح فيه من صياح أهل الدنيا، ولا تعب يصيب ساكنه. رضي الله عنها وأرضاها.
أم المؤمنين عائشة
ومنهن الصديقة بنت الصديق، المبرأة من فوق سبع سماوات. حبيبة رسول الله ﷺ؛ إنها عائشة -رضي الله عنها-.
أفقه نساء الأمة على الإطلاق.
يقول أنس -رضي الله عنه وأرضاه-: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي ﷺ… ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان، فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة؛ إما مرتين وإما ثلاثا.
أم المؤمنين «أم حبيبة» رملة بنت أبي سفيان
ومنهن أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان. الصحابية الجليلة. ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين ﷺ.
هي ذات الرأي والفصاحة، التي أعطت أباها المشرك درسا في الإيمان لا ينساه في حياته عندما كان حيًا. وعلمته أن رابطة الإسلام أقوى من رابطة الدم والنسب.
عندما مرَّ أبوها عليها في بيتها، وعندما هَمّ بالجلوس على فراش رسول الله ﷺ، سحبت الفراش من تحته وطوته بعيدا عنه، وقالت: هذا فراش رسول الله ﷺ، وأنت رجل نجس غير مؤمن.
الخنساء أم الشهداء الأربعة
من نساء الرعيل الأول الخنساء، أم الشهداء، الشاعرة الشهيرة والسخية الكريمة، والشجاعة القوية في معركة القادسية، وليلة التحام الصناديد؛ جمعت أولادها الأربعة، وهي تقول لهم: يا بني؛ إنكم أسلمْتُمْ طائعين، وهاجرْتُمْ مختارين، ووالله الذي لا إله إلّا هو إنك لبَنُوا رجلٍ واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خُنْت أباكم، ولا فضحْتُ خالكم، ولا هجّنْتُ حسبَكم، ولا غَبَّرْتُ نسَبَكم. وقد تعلمون ما أعَدّ الله للمسلمين من الثّواب الجزيل في حَرْب الكافرين. واعلموا أنّ الدّار الباقية خَيْرٌ مِن الدّار الفانية. يقول الله ﷻ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. فإذا أصبحْتُمْ غدًا إِن شاء الله سالمين فاغْدُوا إلى قتالِ عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستَنْصِرين. فإذا رأيتُم الحرب قد شمَرَّتْ عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارًا على أوراقها، فتيمَّمُوا وَطِيسها، وجالدُوا رئيسها عند احتدامِ خميسها تظْفُروا بالغُنْم والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فخرج بنوها قابلين لنصحها، عازمين على قولها. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، وأبلوا بلاء حسنا في قتالهم. فقُتِلوا جميعا. فبلغها الخبر. فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم. وأرجو من ربي أن يجمعني به في مستقر رحمته.
الله أكبر! مناقِب مشرقة ومحاسن مضيئة.
أشهر الصحابيات في الإسلام وصفاتهم
- سمية بنت خياط: أول شهيدة في الإسلام.
- أسماء بنت يزيد بن السكن: خطيبة النساء.
- أم سليم بنت ملحان: المؤمنة الداعية؛ التي جعلت مهر زواجها من أبي طلحة اعتناقه للإسلام.
- أسماء بنت عميس: صاحبة الهجرتين، وزوجة ذي الجناحين.
- الشفاء بنت الحارث: المعلمة الأولى في الإسلام.
- خولة بنت ثعلبة: التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات. عندما قال لها زوجها: أنت عليّ كظهر أمي -أي محرمة عليّ-. ثم بعد ذلك أراد أن يباشرها. فأبت وامتنعت عنه. وذهبت إلى النبي ﷺ، فشكت إليه. فنزل قول الله ﷻ بآيات الظهار في مطلع سورة المجادلة. لتقدم الحل والحكم لهذه القضية ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ | الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ الَّلائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾.
فحريٌّ بنا أيها المسلمون أن نربي نسائنا وبناتنا على معرِفة سير نساء الرعيل الأول وأخلاقهن وصبرهن وجهادهن وزهدهن وخشيتهن من الله. فلا فلاح للمرأة عموما، ولبناتنا ونسائنا في هذا الزمن خصوصا، إلا بالاقتفاء بالتقوى والإحسان والستر والصلاح.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إن ربي قريب مجيب.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا عباد الله؛ حريّ بنساء المسلمين اليوم أن يجعلن قدواتهن نساء الرعيل الأول. يتعلمن منهن أطيب الخلق وأزكاه، بطاعة الله ورسوله ﷺ. والمسارعة بالخيرات والبعد عن الشبهات والشهوات والمنكرات، وملازمة الستر والعفاف في كل الأماكن.
فحري بنا أيها الأحبة الفضلاء أن نعلم بناتنا ونسائنا هذه الأخلاق الكريمة من تلك النساء -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدعاء
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين؛ اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين في كل مكان. اللهم نفس كربهم، اللهم اقض دينهم، اللهم اشف مريضهم، اللهم ارحم ميتهم وتقبل شهيدهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجمع شمل أمة محمد ﷺ على الحق يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، وانصرهم على من عاداهم يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك. اللهم ارحمهم وعافهم واعف عنهم. اللهم أكرم نزلهم ووسع مدخلهم. اللهم وأنزل على قبورهم الضياء والنور، والفسحة والسرور؛ وجازهم بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا. اللهم اغفر لنا ولهم، اللهم لا تفتنا بعدهم يا رب العالمين.
اللهم ارحم آبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم وأعفو عنهم. اللهم من كان منهم حيا فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك. ومن كان منهم ميتا، اللهم فاجعل قبره روضة من رياض الجنة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولي أمرنا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم وفقه وجميع ولاة أمور المسلمين بالعمل بما جاء في كتابك واتباع سنة نبيك محمد ﷺ؛ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا غيثا هنيئا مريئا سحا غدقا؛ إنك على كل شيء قدير، يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.