الصلابة في مواجهة الجوائح والأزمات والأخذ بأسباب العلم والعمل الجاد طريق العبور نحو المستقبل، ذلك هو عنوان موضوع خطبة الجمعة القادمة الذي حُدِّد سلفًا بواسطة وزارة الأوقاف المصرية.
وهنا نضع لكم الخطبة “غير الرسميّة”
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه، ونثني عليه الخير كله، ونستغفره من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونسأله من فضله وعافيته وستره.
الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته، الحمد لله على ما علمنا والحمد الله على ما جهلنا، الحمد لله على ما منح والحمد لله على ما منع، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
والصلاة والسلام على حبيبه ونبيه من خلقه ومصطفاه، من أرسله الله رحمة للعالمين، وجعله نوراً وضياءً للحيارى والتائهين، ومرسى أمان للضائعين والضالين، وعلى آله وصحبه الأبرار والطيبين، ومن اتبع سنتهم وسار على نهجهم، واهتدى بنور هديهم إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
الله عز وجل كتب الأقدار ودبر أمر السماوات والأرض، ودبر سائر أمور الخلق، واقتضت حكمته في هذه الحياة التي هي دار الابتلاء والامتحان والفتن أن نمر بمنعطفات مختلفة ومتناقضة، وأن يتغير حالنا من الضيق إلى السعة أو من رغد العيش إلى شظفه، أو من الصحة إلى المرض، ومن الراحة إلى الكَبَد، وهذه هي سنة الله في خلقه، يمحصهم ويبتليهم ليعرف العباد معادنهم ولا تكون لهم حجة بين يدي ربهم.
وبما أننا نمر في هذه الحقبة بمرحلة حرجة من الابتلاءات والامتحانات القاسية، فنبتلى بالمرض وقد يبتلى البعض بالفقد ويذيقه الله مر الفراق، وقد يبتلى آخرون بضيق العيش وتعسر الظروف والعجز وقلة الحيلة عن تلبية متطلبات المعيشة في ظل وقت يشتد فيه البلاء وتتفشى فيه تلك الجائحة التي أتت على الأخضر واليابس فسيكون حديثنا حول التأكيد على مبدأ هام وفكرة يجب اعتمادها من الأفراد والحكومات والمجتمعات جملة وتفصيلا وهي أن (الصلابة في مواجهة الجوائح والأزمات والأخذ بأسباب العلم والعمل الجاد طريق العبور نحو المستقبل)، وسوف نستعرض معاً عناصر هذا المبدأ لنذكر بها أنفسنا ونذكركم بها أيضاً، والله المستعان.
أما الصلابة في مواجهة الأزمات فهي ضرورة ملحة في هذه الظروف تقتضي الالتزام إلى أقصى حد بكل ما تفرضه علينا تلك المرحلة من واجبات نحو أنفسنا ونحو أوطاننا وبلادنا، وعدم التهاون فيها أمر ضروري، لأننا نمر بل ويمر العالم بأسره بأزمة طاحنة على كل المستويات وأخطرها وأهمها ما يهدد صحة وسلامة الافراد بل والمجتمعات بأسرها.
ومن مظاهر الصلابة التي لا تحتمل التهاون سن القوانين التي تناسب تلك الأزمة، واتخاذ ما يلزم من اجراءات استثنائية للخروج من تلك الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، وتجاوز تلك المرحلة بسلام.
والأمر يتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمؤسسات والحكومات للتعاون الجاد والمثمر الذي يخرج بنا من تلك الأزمات في أقرب وقت ممكن.
أما الأخذ بأسباب العلم فيظل السبيل المشروع لطلب النجاة من تلك العثرة الكبيرة التي يمر بها عالمنا، فالبحث والاستكشاف والسعي إلى تطوير آليات البحث العلمي ومحاولات الوصول إلى طرق فاعلة للخروج من هذا النفق المظلم هي واجبنا وهي القربى التي نتقرب بها إلى الله عز وجل سائلين إياه أن يهدينا إلى ما فيه النجاة وأن يسدد خطواتنا ويجعل التوفيق حليف رحلتنا.
هذا أوان الجهاد المتواصل في البحث العلمي، وأوان يجب أن تطرق فيه كل الأبواب التي يمكن أن تخفي خلفها حلاً أو تنهي تلك المرحلة الحرجة، فالعلم هو سلاحنا الذي يجب أن نواجه به الجهل والمرض ونقضي على آفات الوباء بأمر الله، ولم لا وقد نبأنا النبي –صلى الله عليه وسلم” ببشرى أمل وخير ووعد يجدر بنا أن نتمسك به ونسير في ضوء هديه، فقد أخبرنا النبي –صلى الله عليه وسلم” أن الله عز وجل ما أنزل من داء إلا وأنزل معه الدواء، علمه من علمه وجهله من جهله!
فكان هذا التقرير النبوي حاملاً لنا ولكل مسؤول عن الجد والسعي الدؤوب والتفتيش عن دواء لما نمر به من الأوبئة والأمراض، وكأنه رسالة طمأنة تبث اليقين وتجدد الأمل وتحفز الجميع على مواصلة البحث.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله الذي بعث لنا النبيين وجعل منهم مبشرين ومنذرين، فأحق بهم الحق وأبطل الباطل، وأظهر دينه رغم حقد الحاقدين وسخط الناقمين، وبين لنا سبل الناجين وطرق الهالكين، فنحمده جل وعلى ونسأله المزيد من فضله، ونعوذ به من سخطه ونقمه، ونسأله عفوه ومغفرته.
ونصل ونسلم على حبيبه من خلقه ومصطفاه النبي الأمي الذي علم الدنيا، وجاءها رحمة مهداة، وفرحت بمقدمه السماوات والأرضين، وجاء ختام رسل الله أجمعين، وعلى آل بيته المكرمين وصحبه الغر المحجلين وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد..
فإننا لا نزال نواصل الحديث عن مدى أهمية الصلابة في مواجهة الأزمات، والتمسك بأسباب العلم والأخذ بها والتسلح بها في وجه الأوبئة والأمراض التي باتت تطارد الخلق في كل وقت.
أما العمل الجاد والبذل السخي في المجهود والتعب لأجل تحقيق أفضل عائد ممكن هو الأمل في التغلب على تلك الظروف وتجاوزها بسلام، هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقودنا إلى واقع أفضل ومستقبل أكثر سعادة وراحة.
العمل الدؤوب والجهد ليس أمراً اختياريا بل هو إجباري تفرضه علينا الظروف، لم يعد هناك متسع للفوضى أو لإهدار الوقت ولا المال ولا الجهد فيما لا يفيد، العجلة تدور والحياة تتسارع فيجب أن نحرص على أن نلقى الله ونحن كادحين وساعين إلى ما ينفعنا ويلبي احتياجنا، ويسترنا.
العالم كله يمر بحالة من الركود والكساد فلنتق الله ولنفعل كل ما بوسعنا لنصل بر النجاة، العمل الجاد والاتقان والاجتهاد ليست طريق الخلاص من الأزمة فحسب بل هي قربات نتقرب بها إلى الله عز وجل آملين أن يشفعها فينا، ويلطف بنا وينجينا بفضلها.
مهما ساء الوضع أو انتشر الوباء أو شعرنا بقرب النهاية فإننا مطالبون بالجد والعمل ولم لا، وقد أوصانا الحبيب بالبذل والعطاء حتى لو دنا الموت وتحققت النهاية فيقول من لا ينطق عن الهوى “صلى الله عليه وسلم”: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل).
لأجل ذلك وأكثر أوصي نفسي وإياكم اخوة الإسلام بشحذ الهمم وتجديد العهد على العمل والكفاح والأخذ بأسباب النجاة كل في نطاق دوره وعمله ومجتمعه المحدود، مع اليقين الكامل أن الأمر مرجعه إلى الله وأن الأسباب لا تغني شيئا عن رب الأسباب.
وفي الختام
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح أحوالنا ويهدينا سبل الرشاد، وينجينا من هذه الغمة ويكشفها عن الأمة، ويدفع عنا الضر بما شاء وكيف شاء، وأن يعيننا على كل ما يخرجنا مما نحن فيه، فلا حول ولا قوة إلا بالله ولا مدد إلا منه ولا تكلان إلا عليه.