عناصر الخطبة
- عيد الأضحى المبارك يُذكرنا بسيدنا رسولَ الله ﷺ في حجة الوداع وأصحابه الذين بحبهم وطاعتهم واقتدائهم به فهم في الأرض كالنجوم في السماء، يعلمون الجاهلين، ويذكرون الغافلين، بلسان حالهم ومقالهم.
- عيد الأضحى يأتي بعد فريضة الحج؛ وهي تلك العبادة عظيمة، موسمٌ يُختم بالذكر والتكبير، ولا ننسى شعيرة الأضحية.
- شرع الله ﷻ الأضحية لمقاصد نبيلة وحكم عظيمة، وهي أن يوسّع المسلم على أهله، وجيرانه وأحبائه، وعلى فقراء المسلمين.
الخطبة الأولى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
إن من أعظم نعم الله ﷻ علينا أن جعل ختام العبادات العظيمة عيداً يفرح به المؤمنون، وجعل فرحهم هذا عبادة يتقربون بها إلى الله عزّ وجل، فعيد الفطر يأتي بعد عبادة الصيام، وعيد الأضحى يأتي فريضة الحج، وهو موسمٌ يُختم بالذكر والتكبير، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وحين قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وجد أهل المدينة وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» سنن أبي داود.
عيد الأضحى، نستذكر فيه سيدنا رسولَ الله ﷺ في حجة الوداع وحوله أصحابه الذين يزيدون على مئة ألف رضي الله عنهم، نستذكر ذلك اليوم، فلنقتد به ﷺ ونسلك سبيل الصحابة الذين احبوا رسول الله ﷺ وكانوا في الأرض كالنجوم في السماء، يعلمون الجاهلين، ويذكرون الغافلين، بلسان حالهم ومقالهم.
إن عيد الأضحى يأتي بعد عبادة عظيمة، وهي فريضة الحج، وهو موسمٌ يُختم بالذكر والتكبير، ومن المحزن أن المسلمين في الآفاق لم يُكتبْ لهم الحج بأجسادهم، فلتتذكر أرواحنا تلك المشاهد العظيمة، والمناسك المباركة.
ومن بركة عيد الأضحى أنه من أعظم الأيام عند الله ﷻ، لما فيه من تقرب له سبحانه بنحر الأضاحي، يقول النبي ﷺ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» سنن أبي داود، ويوم النحر هو اليوم الأول من أيام عيد الأضحى، ويوم القرّ، والمراد بالقر: الاستقرار، وهو اليوم الثاني وما بعده من أيام التشريق.
إنَّ الأضحية سنّة مؤكّدة تذكرنا بتضحية سيدنا إبراهيم عليه السلام بولده إسماعيل عليه السلام هذه القصة التي تمثل أسمى وأعظم صور التضحية من الأب وأبهى صور الامتثال والتسليم والصبر من الابن البارّ بوالده، المطيع لخالقه، ثم يفتديه الله ﷻ بذبح عظيم، ويجعله سنة لعباده المؤمنين مخلِّداً هذه القصة من التضحية إلى قيام الساعة، يقول ﷻ (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].
إنه امتحان ما أشدّه، وابتلاء ما أعظمه، اجتازه الأب والابن عليهما السلام مع مراتب الشرف العليا، وهنا تظهر معادن الرجال، وتتجلى رحمة الله ﷻ على الصابرين والصادقين، يقول ﷻ: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ،وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) الصافات: 107-111.
إنه درس يعلّم الأجيال الالتزام بأمر الله، وأنه لا كرامة إلا بالتضحية في سبيل الله، وأن الحياة الكريمة تكون بالصبر والرضى بقدر الله، ولذلك أصبحت الأضحية سنة مؤكدة يُكره تركها مع القدرة عليها لتبقى قصة تضحية سيدنا إبراهيم حاضرة في وجدان المسلمين، ومما ورد في فضلها قوله ﷺ: «مَا تُقُرِّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ النَّحْرِ بِشَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ وَأَنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» المستدرك على الصحيحين.
وينبغي أن تقدم هذه الأضحية من طيب الكسب، فالله ﷻ طيّب لا يقبل إلا طيّبا، وقد شرع الله ﷻ هذه الأضحية لحكم عظيمة، ومقاصد نبيلة، وهي أن يوسّع المسلم على أهله، وجيرانه وأحبائه، وعلى فقراء المسلمين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وهُو يَعْلَم» المستدرك على الصحيحين.
ويستُحب كذلك للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويطعم أهل بيته، ويجب أن يعطي منها قدراً ولو يسيراً للفقراء، كما يُسن أن يهدي منها امتثالاً لقوله ﷻ: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36-37].
كما يستحب في أيام التشريق -وهي الأيام الثلاثة التي تلي عيد الأضحى- الإكثار من التكبير والتهليل لقوله ﷻ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، فيكبر المسلمون أفراداً وجماعات، بعد كل صلاة حتى صلاة عصر آخر أيام التشريق.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر، ولله الحمد
أيها الإخوة المؤمنون: إن يوم عيد الأضحى هو يوم شكر لله ﷻ، على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، قال ﷻ: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج: 28، فأيام عيد الأضحى، أيام أكل وشرب كما أخبر بذلك النبي ﷺ به، فلا يجوز الصوم في هذه الأيام، ويكون إظهار الشكر لله ﷻ فيها، وإظهار الفرح والسرور والتوسعة على الأهل والعيال فإن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
وعن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله ﷺ، فأقبل عليه رسول الله ﷺ فقال: «دعهما، فإنها أيام عيد» صحيح البخاري.
ونذكركم عباد الله بأن نجعل من هذا العيد فرصة لصلة الأرحام بما يرضي الله ﷻ، ويدخل الفرحة والسعادة في قلوبهم، وليكن العيد مناسبة لتجاوز الخلافات التي تفضي إلى القطيعة، فكم هو جميل أن نرى البسمة والفرحة على وجوه من أمرنا الله بصلتهم، ولنعِد للعيد بهجته ورونقه الجميل.
والحمد لله رب العالمين..