مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، تنزه عن الصفات الناقصات، وحمد بالكمالات العاليات، أحمده بما هو له أهل، وأشكره على ما أنعم به من فضل، وأشهد أن لا إله إلا الله، أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماوات، وأراه من آياته الكبرى حتى بلغ به إلى منتهى الغايات.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أكرمه الله بالمعجزات، وأظهر فضله على سائر البريات، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الحشر إلى النار أو الجنات.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-؛ فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل، وغفر الله له ما سلف منه من خطأ وزلل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
الخطبة الأولى
واعلموا أن كل ما وقع للرسول من وقائع وأحداث هو مرتبط بهذا الدين، فهو رسول الإسلام وعلينا دراسة هذه الأحداث، وأخذ الحكم والأحكام منها، وتبين الدروس والعبر من خلالها، وجعلها واقعا معيشا في الحياة، تصدر منها أقوالنا وأفعالنا، وترد عنها تصرفاتنا، وإن حادثة الإسراء والمعراج كانت حدثا دينيا مرتبطا بعقيدة المسلم في كل زمان ومكان، وليست مجرد حدث تاريخي مضى وانتهى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
أيها المسلمون: إن مسرى النبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يحمل في طياته الكثير من الدلالات والمعاني، فبيت المقدس هو مهبط تنزل رسل الله الكرام حيث تعاقبت عليه رسالات السماء إلى أن أذن الله بجعلها في جزيرة العرب في مكة المكرمة ببعثة خاتم النبيين محمد، والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى سيد الثقلين، فلا غرابة إذن في هذا الربط، بل هو المتسق مع طبيعة هذا الدين الخاتم، فهذه الأمة هي وريثة الأمم السابقة، قد وكل إليها الحفاظ على ميراث النبوات السابقة ومقدساتها، فقضية الأقصى ليست خاصة بشعب معين، بل هي قضية المسلمين كلهم (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
أيها المؤمنون: لقد بعث الله رسوله محمدا ليحرر الناس من الخرافات، وينقذهم من الأوهام والضلالات، فقد كانوا يعيشون في مخلفات من الديانات المحرفة، وفي عصبية جاهلية لمعتقدات الآباء والأجداد، فانطلق بهم الإسلام إلى فضاءات أوسع وأرحب حيث تكريم الإنسان وتقديره واحترامه (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
فالإسلام قدر هذا الإنسان وشرفه، وراعى حقوقه فعصم دمه وماله وعرضه، وفرض العقوبات على من تعدى عليه، وشرع له من الأوامر ما يحييه، وكره له من الأمور ما نهاه عنه (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
هذا وقد أكرم الله نبيه بحادثة الإسراء والمعراج إذ طوى له الأرض، وكشف له حجب السماء، حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وفي ذلك إشارة إلى عالمية هذه الرسالة وتخطيها لحدود الزمان والمكان، فالمسلمون اليوم يقع على عاتقهم تبليغ رسالة الإسلام الصافية النقية كما بلغها رسول الله (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).
فاتقوا الله -عباد الله-، واشكروه على أن هداكم واجتباكم وجعلكم من أمة محمد، وحافظوا على مكتسبات دينكم ومقدساتكم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ هنا أيضًا خطبة الجمعة: الإسراء والمعراج معجزتان عظيمتان – مكتوبة + العناصر
الخطبة الثانية
الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فيا أمة الإسلام: مما يجدر ذكره ونحن نستذكر مسرى نبينا الكريم ومعراجه، أن نذكر بما يعانيه أهل أرض الإسراء من ظلم ازداد وطؤه على الجميع، صغارا وكبارا، رجالا ونساء وأطفالا، بل إن الحجر والشجر يشكو من ظلم الظالمين، ويئن من إجرام المعتدين، فكيف بالمظلومين الذين تسلط عليهم من استقووا بعدتهم وعتادهم، ولكن الله بالمرصاد، وكل ظلم مردود على صاحبه، طالت الأيام أو قصرت، وسيطهر الله تلك الأرض المباركة من الظلم، ويعيد إليها السلم والعدل، ويحييها بعد الدمار الذي فعله الظالمون، وسينصر عباده المستضعفين؛ فهي سنة لا تتبدل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
فاتقوا الله -عباد الله-، وليكن قدوتكم أنبياء الله، تحملون الخير إلى العالمين، وتبادرون إلى فعل الخيرات لإخوانكم المستضعفين، تحقيقا لقول ربكم فيمن هم أسوتكم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ).
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ ولا تغادر -أخي الإمام- قبل الاطلاع على: مع ملف pdf للتحميل.. خطبة مشكولة عن رحلتي الإسراء والمعراج