ومعكم إخواني اليوم خطبة الجمعة مكتوبة؛ بعنوان: ماذا تفعل في الإجازة؟ وهي لفضيلة الشيخ المنذر بن محمَّد بن ناصرٍ السُّحيبانيُّ –حفظه الله ﷻ–.
مقدمة الخطبة
الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر له تواليا وتترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حقًا، وأشهد أَنَّ محمدًا عبده ورسوله برًّا وصدقًا.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله –عباد الله– حقَّ التَّقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: إنَّ أَهل المعرفة بالله يقولون: قيمة كلّ امرئٍ ما يطلبه.
وقد جعل الله ﷻ زمنًا للمطالب وصيَّر عنده زمنًا للثَّواب عليها.
فأَمَّا زمن المطالب فهو الحياة الدَّنيا.
وأَمَّا زمن الثَّواب عليها فهو دار الآخرة.
ممَّا يُوجب على العبد أَن يغتنم الدار الأولى في تحصيل مطالبه، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ ~ [الفرقان: 62]. فجعل ﷻ الزمن الأول المتضمَّنَ لليِّل والنَّهار زمنًا لإِدراك المطالب العظيمة ورأَسُها الذِّكر والشُّكر، فإنَّهما أَجلُّ المطالب الَّتي يسمو بها المرء في الدُّني والآخرة؛ ولأَجل هذا عزَّ عند السَّلف الصَّالح مقدار زمانهم.
قال الحسن البصري رحمه الله: أدركتُ أَقوامًا أَحدهم أَشَّحُّ على زمانه من أَحدكم بدراهمه ودنانيره.
وقيل لعامر بن عبدالقيس: قف نُكلِّمك ساعةً. فقال: إَنَّ الشَّمس لا تقف.
وقال رسولكم ﷺ: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس الصِّحَّةُ والفراغ».
لأن الليل والنهار إن لم يعمرا بما ينفع العبد في هذه الدنيا فإنه يرجع على نفسه بالحسرة والندامة؛ إذ يرى ما يلحقه من النقص عند ورود دار الثواب في الآخرة.
أيها المؤمنون: ليعلم المرء أنَّه إذا ذهب منه شيءٌ من الزَّمن لم يستطع أن يردَّه.
قال الحسن البصريُّ رحمه الله: ابن آدم إِنَّما أنت أيامٌ ذهب منك يومٌ ذهب منك بعضُك فإذا ذهبت أيَّامك كلُّها ذهبت كلَّلك.
وقد ذُكِرَ أّنَّهُ مَا مِنْ يَوْمٍ يَنْشَقُّ فَجْرُهُ إِلَّا وَيُنَادَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ، وَعَلَى عَمَلِكَ شَهِيدٌ، فَإِنِّي إِذَا مَضَيْتُ لَا أَعُودُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
أَلا وإنَّه لا يليق بالمسلم أن تكون إجازته ووقت فراغه محلًّا للبطالة والكسل ومعصية الله ﷻ، بل تكون محلًّا لتجديد الرُّوح حتى يُقبل على ما ينفعه بجدٍّ ونشاطٍ.
ولا ينبغي للمرء أن ينفق زمن إجازته إلَّا في أمرٍ محبوبٍ لله ﷻ يتقرَّب به إليه، أَو أَمرٍ مباحٍ يُريح به نفسه ويغيِّر نمط حياته.
فإذا تعدَّى هذان الأمران عكَّر صفو حياته، وشوَّش قلبه.
فاحرصوا رحمكم الله على أن تقضوا إجازاتكم أنتم وأبناؤكم بما يقرِّبكم إلى الله ﷻ مما يحبُّه الله ويرضاه كالاشتغال بحفظ القرآن أو طلب العلم أو أداء العُمرة أَو صلة الرحم أو غير ذلك من أنواع البر التي ربَّما تضيق الاوقات عنها، فإن كان بعد ذلك شيءٌ من وقتٍ فليكن فيما أَذن الله به من التَّمتُّع بالمباحات. حتَّى لا يعود المرء منها كسيف البال مشوَّش الخاطر مُرهقًا بالذُّنوب والمعاصي.
قال ﷺ: «ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا الله فيه؛ إلَّا كان عليهم تِرَةً، وما مشى أَحدٌ ممشىً لم يذكر الله فيه؛ إلَّا كان عليه تِرَةً». أي ندامةً وحسرةً.
فاغتنموا رحمكم الله إجازاتكم وفراغكم فيما ينفعكم في الدُّنيا والآخرة.
أقول ما تسمعون، وأَستغفر الله العليَّ العظيم لي ولكم فاستغفروه إِنَّه هو الغفور الرَّحيم.
وهذه أيضًا خطبة عن استثمار الإجازة
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الَّذين اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أمَّا بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدى هدي محمد ﷺ، وشرِّ الأمور محدثاتُها، وكلِّ محدثة بدعة.
أيُّها النَّاس: اتقوا الله حقَّ التقّوى، واستمسكوا من الإسلام بالعُروة الوثقى، واعلموا أّنَّ أَجسادكم على النَّار لا تقّوى، واعلموا أّنَّه: «لَا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».
كذلك؛ هنا: خطبة عن إجازة منتصف العام «الإجازة الصيفية»
الدعاء
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبيِّنا مُحمَّدٍ. وأَرض اللهمَّ عن خُلفائه الرَّاشدين الأَربعة المهْديِّين، وعنْ آله الطَّاهرين، وعنْ زوجاته أُمِّهات المُؤمنين، وعنْ سائِر أَصحاب نبيِّك وكرمك وجود وإحسانك يا أَكرم الأَكرمين.
- ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ~ [البقرة].
- ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ ~ [الكهف].
- ربِّنا اجْعلنا مُقيمي الصلاة ومن ذُرِّياتنا.
- ربَّنا أَوزِعنا أَنْ نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتنا، إنَّا تُبْنا إِليك وإِنَّا من المسلمين.
- اللهمَّ ربَّنا اغفر لنا وارحمنا والمسلمين والمسلمات الأَحياء منهم والأموات.
- اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلَامَ والمسلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَالمُشرِكيينَ، وَدَمِّرَ أَعدَاءَكَ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ.
- اللهم أصلح أحوال إخواننا في الشام، وفرج عنهم، وأهدهم سبل السلم.
- اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا.
- اللهم وأشرك معنا في دُعائِنا من أحسن الظن بنا فسألنا، ومن أحبنا فيك أو أحببناه فيك.
عباد الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمة يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.