مرحبًا بِكُم إخواني في ملتقى الخطباء بموقع المزيد؛ نوفر لكم اليوم خطبة بعنوان: ماذا بعد عيد الأضحى. تحتوي على مادة قوية للخطباء والوُعَّاظ والأئِمَّة. نسأل الله -تعالى ذِكره- أن ينتفع بها الجميع.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
عِباد الله؛ ماذا بعد عيد الأضحى؟ ما قرارتُك بعد ما مررت به في العشر الأوائل من ذكر لله وصومٍ وحج؟
ولنُمسِك بالأخير؛ فالحج والعمرة شعيرتان عظيمتان من شعائر الله -عز وجل- فيهما الكثير من الدروس والعبر، ولكن من أعظم الدروس المستفادة من الحج ألا هو ترسيخ مبدأ التسليم لأمر الله -عز وجل- ولأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ويتجلَّى هذا في الله في كل مناسك الحج، الإنسان عندما يصل إلى الميقات، إلى مكان معين، في هذا المكان يجيب عليك أن تنزع ملابسك، وأن تحرم في إزار ورداء. لماذا في هذا المكان؟ ولماذا هذه الثياب بالذات؟
هذا أمرٌ لا يسأل الأمر فيه؛ وإنما يسلم لأمر ربه -تبارك وتعالى-.
كان متمتعا يطوف بالبيت ويسعى ويتحلل، ثم يظل على هذه الحال إلى يوم الثامن من شهر ذي الحجة، وكذلك القارن والمفرد، ولماذا يوم الثامن من ذي الحجة؟ هذا أيضًا أمرٌ لا يسأل الأمر فيه؛ وإنما يسلم لأمر ربه -تبارك وتعالى-.
يذهب قبل الظُّهر إلى منى، فيصلي بها خمسة أوقات، في منى يقصر الصلاة ولا يجمع، لماذا تقصر الصلاة ولا تجمع؟ لماذا لا يقصر ويجمع كحال المسافر؟
ثم بعد صلاة الفجر ينطلق إلى عرفات، فيصلها بعد الزوال -بعد صلاة الظهر- ويمكُث إلى غروب الشمس، لماذا يقضي هذه المدة؟ لماذا تُرمى الجمار بسبع حصيات؛ الكُبرى والوسطى والصُغرى؟ ولماذا في اختياره لهذه الحصى اختار كما اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يغالي فيها؟ لماذا في هذا المكان يبيت؟ وفي هذا المكان يتحرك؟
هذا إخواني في الله ما يسأل المرء فيه إنما هو التسليم لأمر الله -تبارك وتعالى-.
أي أن من يذهب إلى الحج، ومن يأتِ الحجاج يخبرونه بذلك لابد من أن يعلم أنه عبدٌ لله -عز وجل-، لابد من أن يرضى وأن يسلم لأمر الله -تبارك وتعالى-.
أما إذا نظرت إلى أحوال الناس اليوم، تجد فرقًا شائعا بين هذا وبين حال الناس.
دين الله -عز وجل- واضح، والمسلم شأنه كما قال ربنا -عز وجل- (سمعنا وأطعنا). ما يجادل في نصٍ ولا في حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أما أن نأخذ من الدين ما يتوافق مع أهوائنا، وأن نترك من الدين ما يخالف أهوائنا، هذا ليس حال المؤمن، هذا حال المنافق.
الله -عز وجل- قال في القرآن الكريم (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين).
أما المسلم إنما هو يستسلم الأمر ربه -تبارك وتعالى-.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
انظر إلى هذا المثال الواضح البيّن العظيم في الاستسلام لأمر الله -عز وجل-؛ نبي الله إبراهيم رزقه الله -عز وجل- بولدٍ بعد ما تجاوز الثمانين من عمره، وبعد ما رزق بولدٍ بيَّن ربنا -عز وجل- أنه غلام حليم، إذا بالأمر من الله -عز وجل- أن يأخذ ولده وزوجته ويذهب بهم إلى مكان في الصحراء ليس فيه أحد، ويترك زوجته وولده ليس معهم إلا سِقاءٌ فيه ماء، وجراب فيه تمر.
ما قال لله -تبارك وتعالى- يا رب كيف أترك ولدي وزوجتي وليس معهم أحد؟ كيف سيعيشون؟ ما شأنهم؟ ما حالهم إن أتى أحدٌ من اللصوص أو السباع أو نفذ الماء أو الطعام الذي معهم؟ ولكنه خليل الرحمن الذي قال رب العالمين عنه (وإبراهيم الذي وَفَّى)؛ بكل ما أمره الله -تبارك وتعالى- به.
إنه التسليم لأمر الله في أروع صوره.
وربما يقول أحد: هذا شأن نبي الله إبراهيم وهذا نبي من أولي العزم من الرسل.
نقول له أما تتعلَّم من امرأة؟ سار بزوجته، فلما تركتهم ذهبت خلفه هاجر -أم إسماعيل- قالت له يا إبراهيم إلى من تتركنا في هذا المكان؟ فلم يجبها، فسألته سؤالا واحدا؛ آلله أمرك بهذا؟ فإشارة برأسه -أن نعم-؛ قالت: إذًا لا يضيعنا.
هذه امرأة؛ ولكن انظر إلى التسليم لأمر الله -تبارك وتعالى- ؛ نفذ الماء والطعام الذي معها، وولدها يتلوّى من البكاء؛ وإذا بها تسعى بين الصفا والمروة، فجعل الله خطواتها ركن من أركان الحج والعمرة، لا يتم الحج والعمرة إلا به.
وللأسف؛ يذهب الناس ويسعون بين الصفا والمروة، ما سعى لأن يتذكر هذا الأمر أن يسلم لأمر ربه -تبارك وتعالى-.
وبعد ما نفذ الماء، وبعد ما سَعَت سبعة أشواطٍ إذا بها تجد جبريل -عليه السلام- يقف عند قدمي إسماعيل -عليه السلام-؛ فقالت له: من أنت؟ أغِثنا إن كان عندك غواث. قال لها: من أنت؟ قالت: أنا أم إسماعيل، وزوج إبراهيم.
ما قالت له أنا المرأة التي تركني زوجي في هذا المكان.
قال: إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. فقال لها: لا تخافي الضيعة إن الله لا يضيع أهله.
تسليم لأمر الله؛ فضرب بقدمه الأرض فانفجرت بئر زمزم.
لابد للمرء أن يُسلم الأمر ربه؛ الله أمرنا بالصلاة؛ كم صلاة في اليوم والليلة؟ ٥ صلوات؛ والبعض يُفرِّط. الزكاة ٢.٥% ويبقى من مالك ٩٧.٥%؛ ومع ذلك البعض يبخل. والحج قال (لمن استطاع اليه سبيلا).
أما إبراهيم- عليه السلام- كان الاختبار من ربه أن يذبح ولده؛ ما أمرنا الله أن نذبح أبنائنا، بل أمرنا رب العالمين أن نربي أبنائنا وأن نحسن تعليمهم وأن يحفظوا كتاب ربهم -تبارك وتعالى-.
إذًا أول درسٍ لابد أن تتعلمه من الحج هو التسليم لأمر الله -تبارك وتعالى-.
هذا حديثٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيح، وهذه آية في القرآن الكريم.
إذًا يُسلِّم؛ (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون).
الدعاء
- نسأل الله تبارك وتعالى أن يُحسِن لنا ولكم الخاتمة، وأن يوفقنا وإياكم على الإسلام وعلى الإيمان.
- اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا ربنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
- اللهم اجعلنا لك ذكَّارين، لك شكَّارين، لك مخبتين، لك مُنِيبين.
- اللهم حَبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
- اللهم اجعلنا عند الموت ناطقين بالشهادة، اللهم ارأف بنا رأفة الحبيب بحبيبه عند الشدائد ونزولها.
- اللهم أنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.
كانت هذه خطبة الجمعة بعنوان: ماذا بعد عيد الأضحى؛ ألقاها الشيخ مصطفى بن محمود الأقصري؛ فجزاه الله خيرًا.
وهنا لكُم: خطبة الجمعة حول ذكر الله وفضله؛ مُصدقة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية