خطبة عن ليلة القدر مميزة ومُتقَنة نقدما للأكارم من الأئمة والخطباء في الوطن العربي والإسلامي في هذه الصَّفحة. ليس لهذا الموضوع فحسْب، بل ستتحدَّث الخطبة أيضًا عن فضل العشر الأواخر من رمضان وكيف كان اجتهاد النبي ﷺ فيها.
هذه الخطبة المكتوبة نسوقها إليكم آملين أن تنتفعوا بها وبكل ما نقدمه لكم من خطب ودروس ومحاضرات وتفريغات دروس عِلم في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد.
ينشد الخطباء خطب عن فضل لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ بعضهم يريدها خطب مشكولة، والبعض يريد عبارة عن مواعظ أو حتى مجرد محاضرة. لكن الذي عليه الجميع هو سعيهم لتبيان وإيضاح وتذكير الناس بفضل العشر الأواخر من رمضان وفضل وثواب ليلة القدر؛ وما ورد في ذلك كله من الكتاب والسُّنَّة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله ﷻ نحمده، ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله ﷻ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله ﷻ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثات، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
أما بعد عباد الله، فبالأمس القريب كنا نستقبل شهر رمضان، شهر الصيام والقرآن والقيام. ومَرّ علينا مرورًا سريعًا، فنقف اليوم في هذه الجمعة، وقد تكون هي الجمعة الأخيرة في هذا الشهر العظيم الكريم الفضيل المبارك. فما أسرع مرور الأيام.
كنا بالأمس القريب نستقبله، وها نحن اليوم نودعه، ليصعد عما قريب إلى الله ﷻ. ليشهد للعباد بأعمالهم، أو ليشهد عليهم يوم القيامة بأفعالهم.
فمنا من يأتي رمضان شاهِدا له يوم العرض على الله ﷻ وشافِعا، ومنا من يأتي رمضان ليشهد عليه بين يدي الله ﷻ. فهنيئا لمن وفقه الله ﷻ في هذا الشهر، فعمل بطاعة ربه ﷻ وأقبل عليه. وخاب وخسر من أدرك رمضان وخرج منه ولم يُغفر له.
العشر الأواخر من رمضان
مِنا عباد الله من عمَّر ما مضى من الأيام بطاعة ربه ﷻ ومِنا من قصَّر. فجعل الله رب العالمين لنا في خاتمة هذا الشهر موسمًا عظيما فاضلا جليلا، ألا وهو العشر الأواخر من رمضان.
فلقد نزلت بكم عشر رمضان الأخيرة، التي فيها الفضائل الكثيرة، والتي فيها المزايا العظيمة، والتي فيها الخِصال الكثيرة، والتي فيها الفضائِل الشّهيرة.
ولقد كان النبي ﷺ يُعطي هذه العشر حقها من العِناية والرعاية والاهتمام. فكان يُقبِل على الله ﷻ إقبالا شديدا وعظيما. وكان ﷺ مع إقباله على الله، ومع اجتهاده في طاعة مولاه، كان يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها ﷺ.
كان يجتهد دائِما مع ربه ﷻ، وكان في رمضان يزداد اجتهادًا وإقبالا، وكان في العشْر الأواخر يجتهد اجتهادا لا يقدر عليه أحد. فتقول المؤمنين عائشة، وهي تصف لنا حال رسول الله ﷺ. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره.
يجتهد وهو رسول الله، يجتهد وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يجتهد وهو إمام العابدين. كان يجتهد في أي شيء، هي كلمة تشمل كل أنواع الاجتهاد في طاعة الله. فكان يُقبل على الله، يجتهد في الصيام، ويجتهد في القيام، ويجتهد في تلاوة القرآن، ويجتهد في ذِكر الرحمن، ويجتهد في الدعاء والاستغفار، ويجتهد في البر والصدقات وجميع أنواع الفضائل والخيرات ﷺ.
السُّنَّة في العشر الأواخر
كيف كان اجتهاده ﷺ في العشر الأواخر؟ قالت أمنا عائشة -رضي الله ﷻ عنها- كما في صحيح البخاري. قالت: إذا دخل العشر -يعني الأواخر من رمضان- شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
كان هذا حاله، وكان هذا هديه ﷺ. يعلو ويجتهد شيئا فشيئا مع الله حتى تدخل عليه العشر، على خلاف الكثيرين من اتباعه ومن أمته، يقبلون على الله في أول رمضان إقبالا عظيما؛ يصومون ويصلون ويقومون ويتصدقون، ثم إذا ما مَضَت بعض الأيام والليالي دبّ إليهم الكسل وتركوا كثيرا من أنواع العمل، وأصابهم الكثير من السآمة والملل. وأما رسول الله ﷺ، فيضرب لنا مثلا واضحا باهرا في حاله مع ربه ﷻ. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه العبد مع الله؛ تأسيا، واقتداءً بإمامه ونبيه ﷺ.
ماذا كان يفعل النبي في العشر الأواخر من رمضان؟ أحيا الليل، يعني أحيا الليل كله، من أوله إلى آخره. أحيا الليل؛ أي استغرق الوقت ساهرا في طاعة الله ﷻ. في الصلاة تارة، وفي القيام تارة، وفي الذكر تارة، وفي الدعاء تارة، وفي الاستغفار تارة. يجعل الليل مشتملا على جميع أنواع الطاعات والعبادات ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وليس معنى أنه أحيا الليل أنه كان يصلي الليل من أوله إلى آخره. لأنها رضي الله ﷻ عنها قالت: ما رأيت رسول الله ﷺ قام ليلة حتى أصْبح. يعني لم يقم الليل من أوله إلى آخره أبدا ﷺ في الصلاة وحدها، وإنما كان يحيي الليل بكثير من أنواع الطاعات. يصلي، فإذا ما فرغ من الصلاة أقبل على الدعاء، فإذا ما فرغ من الدعاء أقبل على ذكر الله، فإذا ما انتهى من الذكر أقبل على تلاوة القرآن. ثم بعد ذلك جلس مستغفرا بين يدي الله ﷻ.
وهو الذي كان يقوم في غير رمضان حتى تفطرَّت وتورمت قدماه ﷺ. فكيف يكون حاله إذا ما زاد اجتهاده؟ وكيف يكون حاله إذا ما عظم إقباله على الله ﷻ. هذا إمامكم، وهذا هو نبيكم ﷺ، وهذا هو ليلُه في العشر الأواخر من رمضان يقضيه مع الله رب العالمين طاعة وعِبادة واجتهادا. فكيف الليل عندنا عباد الله؟
مِنا -بل الكثير منا- من لا ينام حتى يصلي الصبح في جماعة، فيقضي الليل ساهرا، لكن في أي شيء يقضيه؟ في أي شيء يضيعه؟ يقضيه في البُعد عن الله ﷻ، يقضيه في الإهمال والتقصير والتفريط، يقضيه في البعد عن ربه -جل في علاه-، يقضيه في الأشياء التي تغضب الله ﷻ. وهو بعد ذلك يرجو من الله ﷻ أن يمُن عليه بالمغفرة، وأن يمن عليه بالعتق من النيران، وما هكذا كان الليل في حياة رسول الله ﷺ، فأين نحن من عبادته؟ وأين نحن من اجتهاده؟ وأين نحن من إقباله على ربه وطاعته ﷺ؟
نمضي الأوقات، وتمر علينا الساعات في غير ما فائدةٍ ولا طاعة -إلا من رحم الله رب العالمين-.
فكان ﷺ، في هذا الموسم العظيم الجليل يتعامل هكذا. أحيا ليله ﷺ، وأيقظ أهله. فكان ﷺ في العشرين أوائل من رمضان ينام ويستيقظ، في العشر الأواخر مضى زمن النوم فلا نوم. وكان ﷺ يوقِظ أهله للصلاة، فكان لا يترك أحدًا من أهل البيت يقدِر على القيام إلا وأقامه وأيقظه، إدراكا لبركة الشهر وتحصيلا للأجر، واغتناما لليلة القدر. لعل عبدا أن يوفقه الله فيوافق ليلة القدر فلا يشقى بعدها أبدا.
وفيه مدى اهتمام النبي ﷺ وعنايته بأهله وبأهل بيته. قال الله ﷻ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾.
وكان ﷺ يطرق عليّا وفاطمة ليلا وينادي عليهما: «ألا تصليان، ألا تصليان» يعني: قوما، فقِفا بين يدي الله ﷻ.
وكان ﷺ يقول «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء».
قيام الليل هو دأب الصالحين قبلكم، وهو يقربكم إلى ربكم، وهو يغفر السيئات، ويكفر الخطايا، ويرفع الله ﷻ به الدرجات.
الله ﷻ وصف عباده بقوله ﴿كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾. كانوا لا ينامون الليل إلا قليلا، ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. ولما وصف عباد الرحمن قال ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾.
هؤلاء هم عباده الذين مَنّ الله عليهم واصطفاهم واجتباهم، وأقامهم بين يديه في جوف حينما غفل الناس، وفي جوف الليل حينما نام الناس. وأما هؤلاء فلهم مع الله شأن، ولهم مع الله رب العالمين حال يرجون بذلك مغفرة من الله ورضوانا.
وفي هذا أنه يستحب للرجل أن يوقِظ امرأته، وأن يوقظ أولاده لفعل الطاعة والنوافل، وينبغي طاعته في ذلك. فكما قال النبي ﷺ «إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يُسأَلَ الرجل عن أهل بيته». وفي الحديث «كلكم راع ومسؤول عن رعيته».
سيُسْأل العبد عن زوجته وعن أولاده. وإن من المفارقات العجيبة أن ترى الرجل مقبلا على ربه ﷻ، مصليا وصائمِا وقائما وذاكرًا وقارئا ومستغفرا؛ ولا له ولا اهتمام، لا بامرأته ولا بأولاده. وكأن الصلاة والصيام والقيام فرضٌ عليه وحده لا على غيره، فلا عناية ولا اهتمام لا بأهله ولا بأولاده. حتى فسدت البيوت وضاع الأبناء بسبب تقصير وإهمال الآباء.
فيعلمنا النبي المعلم والإمام الأكرم في هذا الموسم الفاضل العظيم أنه يجب علينا أن نعتني بنسائنا وأبنائنا طمعًا ورجاء في رحمة ربنا -جل في علاه-.
كما كان النبي يشد مئزره في العشر الأواخر من رمضان. «شد مئزره» يعني زاد في العبادة زيادة عن عادته ﷺ. فيها جِد وعناية، وفيها اهتمام وإقبال شَدّ وهو رسول الله ﷺ، شَدّ وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، شَدّ وهو إمام العابدين، وهو سيد المتقين، وهو اتقى الناس لرب العالمين. ومع ذلك شَدّ ﷺ.
فينبغي على العبد أن يجِد وأن يجتهد، وأن يجاهد نفسه في طاعة الله رب العالمين. لأن الله ﷻ جعل هذه العشر لمن أحسَن في أول الشهر أن يزداد إقبالا وإحسانا، وجعلها فرصة لمن أساء في أول الشَّهر وقصَّر أن يعود إلى الله رب العالمين. ليزداد المحسنون إحسانا وليدرك المفرط ما فات من صالح وفاضل الأعمال.
شد المئزر يعني اجتهد في العبادة اجتهادا عظيما. كما يقول العبد: شددت لهذا الأمر مئزري. يعني شمرت واجتهدت وأقبلت على هذا الأمر إقبالا ليس كمثله إقبال. وقال بعض أهل العلم: هو كناية عن اعتزال النساء. يعني كان ﷺ منشغلا بحاله مع الله، مقبلا على طاعة سيده ومولاه. وكان لا يقبل على النساء في العشر، كأنه لا حاجة له فيهن ﷺ. كأنه يقول: أنا الآن مشغول بطاعة ربي، أنا الآن في هذه الأيام مشغول بإقبالي على الله، أنا الآن لا انشغل بأمثال هذه الأمور. إنما هو القيام والصيام والطاعة والذكر والدعاء.
لماذا كان النبي ﷺ يفعل ذلك؟
مع مقامه العظيم، ومع قدره الرَّفيع، ومع ما له من المنزلة والمكانة وهي في المحل الأعلى وفي المقام الأرفع عند الله. كان ﷺ يفعل ذلك ليتأسى به من يأتي من بعده ﷺ. أليس لنا في رسول الله أسوة؟ أليس لنا في رسول الله قدوة؟ فيا كل من ادَّعيت محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ هذا هو هديه، وهذا هو حاله، وهذا هو شأنه في العشر الأواخر. فأين أنت من رسول الله ﷺ؟
كان يفعل ذلك ليتأسّى به من يأتي من بعده، وكان يفعل ذلك لأن العشر الأواخر أيامها هي أفضل أيام الشَّهر، ولياليها هي أفضل أيام العام. فكان يفعل ذلك لأن «الأعمال بالخواتيم» كما قال ﷺ. فأراد أن يختم الشهر بمزيدٍ من العبادة والاجتهاد مع الله رب العالمين. وفعل ذلك ﷺ طمعا وطلبا لليلة القدر التي من حُرم خيرها فهو المحروم. نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعا لقيامها، وأن يكتب لنا فيها براءة من النار، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله وسلم وبارك على إمامنا ونبينا محمد ﷺ.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده. إمامنا ونبينا محمد ﷺ وعلى من تبعه وصار على نهجه، صلاة وسلاما، دائمين متلازمين عليك سيدي يا رسول الله.
ليلة القدر
أما بعد عباد الله؛ في العشر الأواخر من رمضان ليلة هي أعظم الليالي. كان ﷺ يجتهد في العشر لإدراكها. وقال عنها «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه». وقال عنها في شهر رمضان «وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم».
دلائل فضلها:
- فمما يدل على فضل هذه الليلة حِرص النبي ﷺ واعتناء رسول الله على القيام لإدراكها.
- ومما يدل على فضلها أن الله ﷻ أنزل فيها القرآن.
- ومما يدل على فضلها أن من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ يعني القرآن. والقدر: إما أن يكون معناه القدر يعني الشرف والتعظيم، لأنها كانت لنبي صاحب قدر على أمةٍ لها عند الله قدر، فمن قامها كان له قدرٌ عند الله رب العالمين. وإما أن يكون معنى القدر من التقدير، لأن في هذه الليلة ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. فيُكتب في هذه الليلة ما يكون في العام إلى ليلة القدر القادمة. يكتب فيها الأرزاق، والآجال. من يموت، ومن يولد، ومن يحج، ومن يُرفع، ومن يخفض، ومن يعز، ومن يذل، ومن يُعطى، ومن يُمنع. كل ذلك يكتب في ليلة القدر. فليس ذلك في ليلة النصف من شعبان، كما هو شائع عند كثير من الخلق.
قال ﷻ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ | فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. فالليلة التي نزل فيها القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم هي ليلة القدر.
وإما أن يكون القدر بمعنى الضيق ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾؛ أي: ضُيِّق عليه. وذلك لأن الأرض في هذه الليلة تضيق من كثرة الملائِكة التي تنزل من عند ربنا -جل في علاه-.
خير من ألف شهر
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ | وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ للدلالة على التعظيم، للدلالة على التشريف، للدلالة على التفخيم. وما أدراك! ما أعلمك! ما ليلة القدر. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ فليست هي بألف شهر؛ بل هي خيرٌ عِند الله من ألف شهر، كما قال الله، وكما أخبرنا رسول الله ﷺ.
ومن فضل ربنا ﷻ أن جعل هذه الليلة في عشرة أيام، محصورة حصرًا عظيما، لم يجعلها ربنا ﷻ ليلة في العام. لأنها لو كانت في العام من أوله إلى آخره ما وُّفق إليها إلا القليل، ولكان في ذلك المشقة والعَنت. والله رب العالمين برحمته رفع ذلك عن أمة محمد ﷺ. فجعلها في عشر. محصورة هذا الحصر لمن وفقه الله ﷻ وأراد به خيرا.
﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ الملائكة تتنزل، والروح هو جبريل “عليه السلام”. وهي لا تنزل إلا بالخير، ولا تنزل إلا بالرحمة، ولا تنزل إلا بالبركة على أمة رسول الله ﷺ.
﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ لأنهم لا يتنزّلون إلا بأمر الله، ولا يفعلون شيئا إلا بإذن الله.
﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر﴾ يعني فيها سلام. قالوا لأنه لا عذاب فيها، ولا هلاك. فهي سلامٌ من السلام على أهل الأرض. يسلمون فيها من المِحَن، ويسلمون فيها من النقم، ويسلمون فيها من البلاء، ويسلمون فيها من العذاب. فهي ليلة سلام من السلام لأُمَّة نبي الإسلام ﷺ.
وقت ليلة الْقَدْرِ
وهي ليلة تنتقل في ليالي العشر. هي ليست ثابتة، أحيانا تأتي في أوائل العشر، أو في أوساط العشر أو في أواخر العشر. وأحيانا تأتي في الأوتار، وأحيانا تأتي في الأشفاع؛ وهي في الأوتار أرجى.
فعلي العبد أن أراد أن يفوز بها أن يجتهد في العشر، لا يفرق بين ليلة وليلة، لا يهتم بالأوتار ويترك الأشفاع. لا يهتم بأواخر الشهر ويترك الأوائل؛ وإنما في كل ليلة. لأنها لو مرَّت، ولو ضاعت، لن يتدارك العبد ما فاته.
خاب وخسر، محروم من جاءت عليه ليلة القدر فحُرم خيرها، محروم. فاجتهدوا عباد الله وجِدوا، فلم تبقى لنا إلا أيام قلائل، وبعدها يندم المفرط يوم العرض على الله، على ما قصر في طاعة سيده ومولاه.
من عمل بطاعة الله فليزدد وليُقبل على الله، ومن كان فيما مضى من الأيام قصَّر وفرَّط فلا عليك، لا تنظر وراءك، ولكن انظر إلى الأمام. أقبل على ربك، وشمر واجتهد، وأرِ الله ﷻ من نفسك خيرا لعلك أن تُوفَّق، ولعلك أن تفوز فيغفر لك، وتعتق من نار الله رب العالمين.
الدعاء
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لقيام ليلة القدر.
اللهم وفقنا جميعا لقيام ليلة القدر، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر. اللهم اجعلنا ممن قام ليلها فأحسن القيام، وممن صام نهارها فأحسن الصيام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واعتق من النار رقابنا.
اللهم تقبل منا صيامنا، وتقبل منا قيامنا، وتقبل منا أعمالنا.
اللهم لا ترد علينا صيامنا، ولا ترد علينا قيامنا.
لا تجعل حظنا من صيامنا جوعا وعطشا، ولا من قيامنا تعبا وسهرا.
اجعل رمضان حجة لنا، اجعل رمضان شاهدا لنا، اجعل رمضان شافعا لنا. لا تجعل رمضان حجة علينا، ولا تجعل رمضان شاهدا علينا. اللهم اجعله لنا يوم العرض عليك، اللهم ثقل بصيامه الميزان، وبيض بقيامه الوجوه، وثبت بعمل الصالحات على الصراط الأقدام.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اكتب لنا في هذا الشهر براءة من النار، حَرم أجسادنا على النار، وحرم وجوهنا على النار، اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار، أعتق رقابنا ورقاب أمهاتنا من النار.
اللهم فرج كربنا، ويسر أمرنا، واشرح صدرنا، واغفر ذنبنا، واقض ديننا، وداوي أمراضنا، وارحم أمواتنا، ويسر أمورنا، واشرح صدورنا.
اللهم إنا نسألك حُسن الخِتام، والوفاة على مِلة الإسلام. واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ.
قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن ليلة القدر وفضل العشر الأواخر من رمضان والاجتهاد فيها. ألقاها فضيلة الشيخ هاني مصطفى نجم -حفظه الله وبارك فيه-. ونسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياكم بما جاء فيها من الوعظ والنُّصح والإرشاد.
هنا أيضًا: خطبة الجمعة مكتوبة PDF عن شهر رمضان
ولدينا المزيد من الخطب والدروس والمحاضرات؛ فانتظرونا وتابعوا معنا كل جديد.
شكرا لكم .. ولكن كيف يتم نسخ نص الخطبة ؟
الشكر لله؛ جزاكم الله خيرًا على الدعاء.
يُمكِن حِفظ الصفحة كاملة على الهاتف أو الكمبيوتر.